للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى﴾. ومَن سمَّى اللهُ معهم، ثم قال بعدَ ذلك: ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾. علِمنا أن المالَ الذي وصَف المؤمنين به أنهم يُؤتُونه ذوِي القُرْبى ومَن سمَّى معهم، غيرُ الزكاةِ التي ذَكَر أنهم يُؤْتونها؛ لأنَّ ذلك لو كان مالًا واحدًا لم يكنْ لتكريرِه معنًى مفهومٌ. قالوا: فلمَّا كان غيرَ جائزٍ أن يقولَ جلَّ ثناؤُه قولًا لا معنى له، علِمنا أن حكمَ المالِ الأوَّلِ غيرُ الزكاةِ، وأن الزكاةَ التي ذكَرها (١) بعدَه غيرُه. قالوا: وبعدُ، فقد أبانَ تأويلُ أهلِ التأويلِ صحةَ ما قلنا في ذلك.

وقال آخرون: بل المالُ الأولُ هو الزكاةُ، ولكنَّ اللهَ وصَف إيتاءَ المؤمنين من آتَوْه ذلك في أولِ الآيةِ، فعرَّف عبادَه بوصْفِه ما وصَف مِن أمرِهم، المواضعَ التي يجبُ عليهم أنْ يضَعوا فيها زكَوَاتِهم، ثم دلَّهم بقولِه بعدَ ذلك: ﴿وَآتَى الزَّكَاةَ﴾.

أن المالَ الذي آتاه القومُ هو الزكاةُ المفروضةُ كانت عليهم، إذْ كان أهلُ سُهْمانِهم الذين أَخْبَر في أولِ الآيةِ أن القومَ آتَوْهم أموالَهم.

وأما قولُه: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾. فإنه يعني جلَّ ثناؤُه: والذين لا ينقُضون عهدَ اللهِ بعدَ المعاهدَةِ، ولكن يُوفون به ويتمِّمونه على ما عاهدوا عليه مَن عاهَدُوه عليه.

كما حُدِّثت به عن عمارِ بنِ الحسنِ، قال: حدثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرَّبيعِ بنِ أنسٍ في قولِه: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾. قال: فمَنْ أعطَى عهدَ اللهِ ثم نقضَه، فاللهُ ينتقِمُ منه، ومن أعطَى ذِمّةَ النبيِّ ثم غدَرَ بها، فالنبيُّ خَصْمُه يومَ القيامةِ (٢).


(١) في الأصل: "ذكره". وما أثبت هو الصواب.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٩١ عقب الأثر (١٥٦١) من طريق ابن أبي جعفر به.