للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فكلُّ موجودٍ إلى وَحْدانيتِه داعٍ، وكلُّ مَحْسوسٍ إلى ربُوبيتِه هادٍ، بما وسَمهم به مِن آثارِ الصَّنْعةِ؛ مِن نقصٍ وزيادةٍ، وعجزٍ وحاجةٍ، وتصَرُّفٍ في عاهاتٍ عارضةٍ (١)، ومُقارَنةِ أحداثٍ لازمةٍ؛ لِتَكونَ له الحُجَّةُ البالغةُ، ثم أرْدَف ما شهِدت به مِن ذلك أدلتُه، وأكَّد ما اسْتَنارت في القلوبِ منه بهجتُه، برسلٍ ابْتَعَثهم إلى (٢) عبادِه، دُعاةً إلى ما اتَّضَحَت لديهم صحتُه، وثبَتَت في العقولِ حُجَّتُه؛ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥]. ولِيَذَّكَّرَ أولو النُّهَى والحِلْمِ، فأمَدَّهم بعونِه، وأبانَهم مِن سائرِ خلقِه، بما دلَّ به على صدقِهم مِن الأدلةِ، وأيَّدَهم به مِن الحُجَجِ البالغةِ، والآيِ المُعْجِزةِ؛ لئلا يقولَ القائلُ منهم (٣): ﴿مَا هَذَا (٤) إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٣، ٣٤].

فجعَلهم سُفَراءَه (٥) بينَه وبينَ خلقِه، وأُمناءَه على وَحْيِه، واخْتَصَّهم بفضلِه، واصْطَفاهم برسالتِه، ثم جعَلهم فيما خصَّهم به مِن مَواهبِه، ومَنَّ به عليهم مِن كَراماتِه - مَراتبَ مُختلفةً، ومَنازلَ مُفْتَرقةً، ورفَع بعضَهم فوقَ بعضٍ دَرَجاتٍ مُتَفاضِلاتٍ مُتَبايِناتٍ؛ فكرَّم بعضَهم بالتَّكْليمِ والنَّجْوَى، وأيَّد بعضَهم برُوحِ القُدُسِ، وخصَّه بإحياءِ الموتى، وإبْراءِ أُولِي العاهةِ والعَمَى، وفضَّل نبيَّنا محمدًا مِن الدرجاتِ بالعُلْيا، ومِن المراتبِ بالعُظْمَى، فحَباه مِن أقسامِ كَرامتِه بالقسمِ الأفْضلِ، وخصَّه مِن درجاتِ النبوَّةِ بالحظِّ الأجْزَلِ، ومِن الأتْباعِ والأصحابِ بالنصيبِ الأوْفرِ، وابْتَعَثه بالدَّعوةِ التامَّةِ، والرسالةِ العامةِ، وحاطه


(١) في ر: "المعارضة".
(٢) بعده في م، ت ١: "من يشاء من".
(٣) في م "فيهم".
(٤) في ص: "هؤلاء"، وفي ر، ت ٢: "هو".
(٥) في ص، م، ت ١، ت ٢: "سفراء".