للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ يعنى: فمَن شهِده عاقلًا بالغًا مكلَّفًا فلْيصُمْه.

وممن قال ذلك أبو حنيفةَ وأصحابُه، كانوا يقولُون: من دخَل عليه شهرُ رمضانَ وهو صحيحٌ عاقلٌ بالغٌ فعليه صَومُه، فإن جُنَّ بعدَ دخولِه عليه، وهو بالصفةِ التى وصَفْنا، ثم أفاقَ بعدَ انقضائِه، لزِمه قضاءُ ما كان فيه مِن أيامِ الشهرِ مغلوبًا على عقلِه، لأنه كان ممَّنْ شهِده وهو مِمَّنْ عليه فُرِض.

قالوا: فكذلك لو دخَل عليه شهرُ رمضانَ وهو مجنونٌ إلا أنه ممَّنْ لو كان صحيحَ العقلِ كان عليه صومُه، [فلم يَنْقَضِ] (١) الشهرُ حتى صَحَّ وبرَأ و (٢) أفاقَ قبل انقضاءِ الشهرِ بيومٍ أو أكثرَ من ذلك، فإن عليه قضاءَ صومِ الشهرِ كلِّه سوى اليومِ الذى صامَه بعد إفاقَتِه، لأنه ممّن قد شهِد الشهرَ.

وقالوا: ولو دخَل عليه شهرُ رمضانَ وهو مجنونٌ فلم يُفِقْ حتى انقضى الشهرُ كلّه ثم أفاق، لم يَلْزَمْه قضاءُ شيءٍ منه، لأنه لم يكن ممّن شهِده مكلَّفًا صومَه.

وهذا تأويلٌ لا معنى له؛ لأن الجنونَ إن كان يُسقِطُ عمّن كان به فرضَ الصومِ من أجلِ فَقْدِ صاحبِه عقلَه جميعَ الشهرِ، فقد يَجِبُ أن يكونَ ذلك سبيلَ كلِّ من فَقَد عقلَه جميعَ شهرِ الصومِ. [وقد أجمَع الجميعُ على أنّ مَن فقَد عقلَه جميعَ شهرِ الصومِ] (٣) بإغماءٍ أو بِرسامٍ (٤)، ثم أفاقَ بعد انقضاءِ الشهرِ، أنّ عليه قضاءَ الشهرِ كلِّه.


(١) في م: "فلن ينقضى".
(٢) في م: "أو".
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) البِرْسام: ورم حار يعرض للحجاب الذى بين الكبد والأمعاء، ثم يتصل إلى الدماغ حتى يهذى من=