للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾: لا تجامِعوا نساءَكم. وبقولِه: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾. يقولُ: في حالِ عُكُوفِكم في المساجدِ. وتلك حالُ حَبْسِهم أنفسَهم على عبادةِ اللهِ في مساجدِهم. و "العكوفُ" أصلُه المُقامُ وحبْسُ النفس على الشيءِ، كما قال الطِّرِمَّاحُ بنُ حَكيمٍ (١):

فبات (٢) بناتُ اللَّيْلِ حَوْلِيَ عُكَّفًا … عُكُوفَ البَواكي بينَهن صَريعُ

يعني بقولِه: عكفًا: مقيمةً. وكما قال الفرزدقُ (٣):

ترى حولَهنَّ المُعْتَفِينَ (٤) كأنهم … على صَنمٍ في الجاهليةِ عُكَّفُ

وقد اختلفَ أهلُ التأويلِ في معنى "المباشرَةِ" التي نهى اللهُ عنها بقولِه: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك الجماعُ دون غيرِه من معاني المباشرةِ.

ذِكرُ من قال ذلك

حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: حدَّثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليِّ بنِ أبي طلْحةَ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾: في رمضانَ أو في غيرِ رمضانَ، فحرَّم اللهُ أن يَنكِحَ النساءَ ليلًا ونهارًا حتى يقضيَ اعتكافَه (٥).

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا سويدٌ، قال: أخبَرنا ابنُ المباركِ، عن ابنِ جُريجٍ، قال:


(١) ديوانه ص ٢٩٥.
(٢) في الديوان: "فباتت".
(٣) ديوانه ص ٥٦١.
(٤) المعتفى: كل طالب فضل أو رزق. التاج (ع ف و).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٣١٩ (١٦٩١) من طريق عبد الله بن صالح به.