للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)﴾.

يعني جلَّ ثناؤُه بذلك: ولا يأكُلْ بعضُكم مالَ بعضٍ بالباطلِ. فجعَل تعالى ذكرُه آكِلَ مالِ أخِيه بالباطلِ كالآكلِ مالَ نفسِه بالباطلِ. ونظيرُ ذلك قولُه تعالى: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١]. وقولُه: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]. بمعنى: لا يَلْمِزْ بعضُكم بعضًا، ولا يقتُلْ بعضُكم بعضًا؛ لأنّ اللهَ تعالى ذكرُه جعَل المؤمنين إخوةً، فقاتلُ أخيه كقاتلِ نفسِه، ولامِزُه كلامِزِ نفسِه. وكذلك تفعلُ العربُ، تَكنى عن أنْفُسِها بإخوتِها، وعن إخوتِها بأَنْفُسِها، فتقولُ: أخي وأخوك أيُّنَا أبْطشُ. يعني: أنا وأنت نصْطَرِعُ فنَنْظُرُ أيُّنَا أشَدُّ. فيَكنى المتكلمُ عن نفْسِه بأخِيه؛ لأنّ أخَا الرجلِ عندَها كنفسِه، ومِن ذلك قولُ الشاعرِ (١): أخِي وأخُوكَ بِبَطْنِ النُّسَيْـ … ــرِ (٢) لَيْسَ لَنا (٣) مِنْ مَعَدٍّ عَرِيبْ (٤) فتأويلُ الكلامِ: ولا يأكلْ بعضُكُم أموالَ بعضٍ فيما بيْنَكم بالباطلِ. وأكلُه بالباطلِ: أكلُه مِن غيرِ الوجهِ الذي أباحَه اللهُ تعالى ذكرُه لآكِلِيه.

وأما قولُه: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ فإنه يعني: وتُخاصِمُوا بها، يعني: بأموالِهم (٥) ﴿إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا﴾. يعني: طائفةً ﴿مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.


(١) هو ثعلبة بن عمرو، والبيت في المفضليات ص ٢٥٤، تأويل مشكل القرآن ١/ ١١٤، معجم ما استعجم ٤/ ١٣٠٨.
(٢) النسير: تصغير نَسر موضع في بلاد العرب كان فيه يوم من أيامهم. معجم البلدان ٤/ ٧٨٣. وقال ابن الأنباري في شرح المفضليات ص ٥١٣: غير الأصمعي: ببطى المسيب. وقال: هو واد.
(٣) في المصادر السابقة: "به".
(٤) ليس لنا عريب: ليس لنا أحد. المصدر السابق.
(٥) في م، ت ١: "بأموالكم".