للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أجدَلَ منه، وأعرفَ بالحجةِ، فيخاصِمُه في مالِه بالباطلِ، ليأكلَ مالَه بالباطلِ.

وقرأ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]. قال: هذا القِمارُ الذي كان يعملُ به أهلُ الجاهليةِ (١).

وأصلُ "الإدلاءِ" إرسالُ الرَّجُلِ الدَّلوَ في سببٍ (٢) مُتعلقًا به في البئرِ. فقيل للمُحْتَجِّ لِدَعواهُ (٣): أدْلَى بحجةِ كَيتَ وكَيتَ. إذ كانت حُجَّتُه التي يحتجُّ بها سبَبًا له هو به مُتعلِّقٌ في خُصومَتِه، كتعلُّقِ المستقِي من بئرٍ بدَلو قد أرسلَها فيها بسبَبِها الذي الدَّلوُ به مُتعلقةٌ، يقالُ فيهما جميعًا - أعني من الاحتجاجِ، ومِن إرسالِ الدَّلوِ في البئرِ بسببٍ -: أدلَى فلانٌ بحجَّتِه فهو يُدْلي بها إدلاءً، وأدْلَى دلْوَه في البئرِ فهو يُدْليها إدلاءً.

وأما قولُه: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾. فإنّ فيه وجهين من الإعرابِ؛ أحدُهما، أن يكونَ قولُه ﴿وَتُدْلُوا﴾ جَزْمًا عطفًا على قولِه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ (٤): ولَا تُدلوا بها إلى الحكَّامِ. وقد ذُكرَ أن ذلك كذلكَ في قراءةِ أُبيٍّ، بتكريرِ حرف النَّهْي: (وَلَا تُدْلوا بها إلى الحكَّامِ) (٥).

والآخرُ منهما، النصبُ على الصرفِ (٦)، فيكونُ معناه حينئذٍ: لا تأكُلوا


(١) ينظر تفسير ابن كثير ١/ ٣٢٥.
(٢) السبب: الحبل.
(٣) في م: "بدعواه".
(٤) بعده في م، ت ١، ت ٣: "أي".
(٥) تفسير القرطبي ٢/ ٣٤٠، والبحر المحيط ٢/ ٥٦.
(٦) في م: "الظرف". وينظر كلام المصنّف على الصرف في ١/ ٦٠٨، وفي تفسير الآية (١٤٣) من سورة آل عمران.