للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢]. قال: فارسيةٌ أُعْرِبَت "سنكَئْ وكَلْ" (١).

وفيما حدَّثكم به محمدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حدّثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْديٍّ، قال: حدَّثنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي مَيْسَرةَ، قال: في القرآنِ مِن كلِّ لسانٍ (٢).

وفيما أشْبَهَ ذلك مِن الأخْبارِ التي يَطُولُ بذكرِها الكتابُ، مما يَدُلُّ على أن فيه مِن غيرِ لسانِ العربِ؟

قيل له: إن الذي قالوه مِن ذلك غيرُ خارجٍ مِن معنى ما قلْنا - مِن أجلِ أنهم لم يقولوا: هذه الأحرفُ وما أشْبَهَها لم تَكُنْ للعربِ كلامًا، ولا كان ذاك لها مَنْطِقًا قبلَ نزولِ القرآنِ، ولا كانت بها العربُ عارفةً قبلَ مجيءِ الفُرْقانِ - فيكونَ ذلك قولًا لقولِنا خِلافًا، وإنما قال بعضُهم: حرفُ كذا بلسانِ الحبشةِ معناه كذا، وحرْفُ كذا بلسانِ العجمِ معناه كذا. ولم نَسْتَنْكِرْ أن يكونَ مِن الكلامِ ما يَتَّفِقُ فيه ألفاظُ جميعِ أجناسِ الأممِ المختلفةِ الألْسُنِ بمعنًى واحدٍ، فكيف بجنسَيْن منها؟ كما قد وجَدْنا اتفاقَ كثيرٍ منه فيما قد علِمْناه مِن الألسنِ المختلفةِ، وذلك كالدرهمِ والدينارِ والدَّوَاةِ والقلمِ والقِرْطاسِ، وغيرِ ذلك - مما يُتْعِبُ إحصاؤُه، ويُمِلُّ تَعدادُه، كرِهْنا إطالةَ الكتابِ بذكرِه - مما اتَّفَقَت فيه الفارسيةُ والعربيةُ باللفظِ والمعنى. ولعل ذلك كذلك في سائرِ الألسنِ التي يُجْهَلُ مَنْطِقُها، ولا يُعْرَفُ كلامُها.

فلو أن قائلًا قال فيما ذكَرْنا مِن الأشياءِ التي عدَدْنا، وأخْبَرْنا اتفاقَه في اللفظِ والمعنى بالفارسيةِ والعربيةِ، وما أشْبَه ذلك، مما سكَتْنا عن ذكرِه: ذلك كلُّه فارسيٌّ لا


(١) سيأتي الكلام في سورة هود على هذه الكلمة.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة ١٠/ ٤٦٩ من طريق إسرائيل به، بلفظ: نزل القرآن بكل لسان. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣٦٧ إلى عبد بن حميد.