للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني بقولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾: فإن انتهَى الذين يقاتِلونَكم من الكفارِ عن قتالِكم، ودخَلُوا في ملّتِكم، وأقرُّوا بما أَلْزَمهم (١) اللهُ تعالى ذكرُه من فرائضِه، وترَكوا ما هم عليه من عبادةِ الأوثانِ، فدَعُوا الاعتداءَ عليهم وقتالَهم وجِهادَهم، فإنه لا ينبغي أن يُعتدَى إلَّا على الظالمين، وهم المشركون باللهِ، الذين ترَكوا عبادةَ ربِّهم، وعبَدوا غيرَ خالقِهم.

فإن قال قائلٌ: وهل يجوزُ الاعتداءُ على الظالمِ، فيقالَ: ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾؟

قيل: إن المعنى في ذلك غيرُ الوجهِ الذي ذهبتَ إليه، وإنما ذلك على وجهِ المجازاةِ لما كان من المشركين من الاعتداءِ. يَقولُ: افعَلوا بهم مثلَ الذي فعلُوا بكم. كما يقالُ: إن تعاطيتَ منِّي ظلمًا تعاطيتُه منكَ: والثاني ليس بظلمٍ، كما قال عَمرُو ابنُ شأسٍ الأسديُّ (٢):

جَزَيْنا ذَوي العُدْوَانِ بالأمسِ قَرْضَهُمْ … قِصَاصًا سَوَاءً حَذْوَكَ النَّعْلَ بالنَّعْلِ

وإنما (٣) ذلك نظيرُ قولِه: ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥]. ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩].

وقد بينَّا وجهَ ذلك ونظائرَه فيما مضَى قبلُ (٤). وبالذى قلنا في ذلك من التأويلِ قال جماعةٌ من أهلِ التأويلِ.

ذِكرُ مَن قال ذلك

حَدَّثَنَا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زُريعٍ، قال: ثنا سعيدٌ، عن


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ألزمكم".
(٢) التبيان ٢/ ١٤٩.
(٣) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "كان".
(٤) ينظر ما تقدم في ١/ ٣١٢ - ٣١٨.