للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإحلالِ، وذلك أن حكمَ ما خُصَّ به مِن ذلك (١) حالَ الإحرامِ، إن كان سواءً فيه حالُ الإحرامِ وحالُ الإحلالِ، فلا وجهَ لخصوصِه به حالًا دونَ حالٍ وقد عمَّ به جميعَ الأحوالِ.

فإذ كان ذلك كذلك، وكان لا معنى لقولِ القائلِ في تأويلِ قولِه: ﴿وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾. أن تأويلَه: لا تُمارِ صاحبَك حتى تُغضِبَه. إلا أحدَ معنيَين: إما أن يكونَ أراد: لا تُمارِه بباطلٍ حتى تُغضِبَه. فذلك ما لا وجهَ له؛ لأن اللهَ ﷿ قد نهَى عن المِراءِ بالباطلِ في كلِّ حالٍ؛ محرِمًا كان المُمارى أو مُحِلًّا، فلا وجهَ لخصوصِ حال الإحرامِ بالنهيِ عنه؛ لاستواءِ حالِ الإحرامِ والإحلالِ في نهيِ اللَّهِ عنه. أو أن يكونَ أراد: لا تمارِه بحقٍّ. وذلك أيضًا ما لا وجهَ له؛ لأن المحرمَ لو رأى رجلًا يرومُ فاحشةً، كان الواجبُ عليه مِراءَهُ في دفعِه عنها، أو رآه يُحاولُ ظلمَه والذهابَ منه بحقٍّ له قد غصَبه عليه، كان عليه مِراؤُه فيه وجدالُه حتى يَتخلَّصَه منه.

والجدالُ والمراءُ لا يكونُ بينَ الناس إلا من أحدِ وجهين: إما من قِبَلِ ظلمٍ، وإما من قِبَل حقٍّ. فإذا كان من أحدِ وجهَيْه غيرَ جائزٍ فعلُه بحالٍ، ومن الوجهِ الآخرِ غيرَ جائزٍ تركُه بحالٍ، فأيُّ وجوهِه التي خُصَّ بالنهيِ عنه حالَ الإحرامِ؟ وكذلك لا وجهَ لقولِ مَن تأوَّل ذلك أنه بمعنى السِّبابِ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى ذكرُه قد نهَى المؤمنين بعضَهم عن سِبابِ بعضٍ على لسانِ رسولِه في كلِّ حالٍ، فقال : "سِبابُ المسلمِ فُسوقٌ، وقِتالُه كُفْرٌ" (٢). فإذ كان المسلمُ عن سبِّ المسلمِ مَنْهِيًّا في كلِّ حالٍ من أحوالِه، مُحْرِمًا كان أو غيرَ مُحْرِمٍ، فلا وجهَ لأنْ يقالَ له: لا تَسُبَّه في حالِ الإحرامِ إذا أحرَمتَ.


(١) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "حكم".
(٢) أخرجه البخاري (٦٠٤٤، ٧٠٧٦)، ومسلم (٦٤) من حديث ابن مسعود، وينظر تخريجه في مسند الطيالسي (٢٤٥، ٢٥٦، ٣٠٤).