للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من صفتِه (١) - الحرثَ والنسلَ؛ فقال بعضُهم: كان ذلك منه إحراقًا لزرعِ قومٍ من المسلمين، وعَقْرًا لحُمُرِهم.

حدَّثني بذلك موسى، قال: ثنا عمرُو بنُ حَمّادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ (٢).

وقال آخرون بما حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا عَثّامٌ، قال: ثنا النَّضْرُ بنُ عَرَبيٍّ، عن مجاهدٍ: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ الآية. قال: إذا ولَّى (٣) سعى بالعَدَاءِ (٤) والظلمِ، فيَحبِسُ اللَّهُ بذلك القطرَ، فيُهْلِكُ الحرثَ والنسلَ، واللَّهُ لا يحبُّ الفسادَ. قال: ثم قرأ مجاهدٌ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١]. قال: ثم قال: أَمْ (٥) واللَّهِ ما هو بَحْرَكم هذا، ولكنْ كلُّ قريةٍ على ماءٍ جارٍ فهو بَحْرٌ (٦).

والذي قاله مجاهدٌ وإن كان مذهبًا من التأويلِ تَحتمِلُه الآيةُ، فإن الذي هو أشبهُ بظاهرِ التنزيلِ من التأويلِ ما ذكَرْنا عن السدِّيِّ، فلذلك اخترْناه.

وأما الحرثُ فإنه الزرعُ، والنسلُ: العَقِبُ والولَدُ، وإهلاكُه الزرعَ: إحراقُه. وقد يجوزُ أن يكونَ كما قال مجاهدٌ باحتباسِ القطرِ من أجلِ معصيتهِ ربَّه، وسَعْيِه بالإفسادِ في الأرضِ. وقد يحتمِلُ أن يكونَ كان بقَتْلِه القُوَّامَ به والمتعاهدِين له، حتى


(١) في م: "صفة إهلاك".
(٢) تقدم تخريجه في ص ٥٧٢.
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "تولى". وهما بمعنى.
(٤) في م: "في الأرض بالعدوان".
(٥) في م، ت: "أما". و"أم" هنا حرف افتتاح للتنبيه بمنزلة "ألَا" و"أما". ينظر خزانة الأدب ١١/ ٦٤.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٣٦٧ (١٩٣١) من طريق النضر بن عربي به مختصرًا، وسيأتي مرة أخرى في تفسير الآية (٤١) من سورة الروم.