بكسرِ السينِ، بمعنى: دعوتُهم للإسلامِ لمَّا ارتدُّوا. وكان ذلك حينَ ارتدَّت كندةُ مَع الأشعثِ بعدَ وفاةِ رسولِ اللَّهِ ﷺ.
وقد كان أبو عَمرِو بنُ العلاءِ يقرأُ سائرَ ما في القرآنِ مِن ذكْرِ "السلمِ" بالفتحِ، سوى هذه التي في سورةِ "البقرةِ"، فإنه كان يَخُصُّها بكسرِ سينِها، توجيهًا منه لمعناها إلى الإسلامِ دونَ ما سواها.
وإنما اختَرْنا مما اخْتَرنا مِن التأويلِ في قولِه: ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾. وصرَفْنا معناه إلى الإسلامِ؛ لأن الآيةَ مخاطَبٌ بها المؤمنون، فلن يعدوَ الخطابُ - إذ كان خطابًا للمؤمنين - مِن أحدِ أمرينِ؛ إمَّا أن يكونَ خطابًا للمؤمنين بمحمدٍ المُصَدِّقين به وبما جاء به، فإن يكنْ كذلك، فلا معنى لأن يقالَ لهم وهم أهلُ إيمانٍ: ادْخُلوا في صلحِ المؤمنين ومُسالمتِهم. لأن المسالمةَ والمصالحةَ إنما يُؤْمَرُ بها مَن كان حَرْبًا بتركِ الحربِ. فأمَّا الوليُّ فلا يجوزُ أن يقالَ له: صالِحْ فلانًا. ولا حربَ بينَهما ولا عداوةَ. أو يكونَ خطابًا لأهلِ الإيمانِ بمَن قبلَ محمدٍ ﷺ مِن الأنبياءِ، المصدِّقين بهم وبما جاءوا به مِن عندِ اللَّهِ، المنكرين محمدًا ﷺ ونُبُوَّتَه، فقيل لهم: ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾. يعني به الإسلامَ لا الصلحَ؛ لأن اللَّهَ إنما أمَر عبادَه بالإيمانِ به وبنبيِّه محمدٍ ﷺ وما جاء به، وإلى ذلك دعاهم دونَ المسالمةِ والمصالحةِ، بل نهَى نبيَّه ﷺ في بعضِ الأحوالِ عن دعاءِ أهلِ الكفرِ إلى السَّلْمِ (١)، فقال: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾ [محمد: ٣٥]. وإنما أباح له ﷺ في بعضِ الأحوالِ إذا دعَوْه إلى الصلحِ ابتداءً المصالحةَ، فقال له - جلَّ وعزَّ -: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١]. فأمَّا دعاؤُهم إلى الصلحِ ابتداءً فغيرُ موجودٍ في القرآنِ، فيجوزَ