للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُدِلٌّ بقُوتِك أم عندَك أخوك ينصُرُك. كان مُصِيبًا.

وقد بيَّنا بعضَ هذا المعنى فيما مضَى مِن كتابِنا هذا بما فيه الكفايةُ عن إعادتِه (١).

فمعنى الكلامِ: أحسِبتم أنكم أيُّها المؤمنون باللهِ ورسولِه (٢) تَدْخلون الجنةَ ولم يُصِبْكم مِثْلُ ما أصاب مَن قبلَكم مِن أتباعِ الأنبياءِ والرسلِ مِن الشدائدِ والمحنِ والاخْتبارِ، فتُبْتَلُوا بما ابْتُلوا واخْتُبِروا به مِن البأساءِ، وهي شدَّةُ الحاجةِ والفاقةِ، والضراءِ، وهى العِلَلُ والأوصابُ، ولم تُزلزَلوا زلزالَهم. يعني: ولم يُصِبْهم مِن أعدائِهم مِن الخوفِ والرُّعْبِ شِدةٌ وجَهدٌ شديدٌ حتى يَسْتبطئَ القومُ نصرَ اللهِ إياهم، فيقولوا: متى اللهُ ناصرُنا. ثم أخبَرهم اللهُ أن نصرَه منهم قريبٌ، وأنه مُعْلِيهم على عدوِّهم، ومُظْهِرُهم عليه، فنجَز (٣) لهم ما وعدَهم، وأعْلَى كلمتَهم، وأطفأ نارَ حربِ الذين كفروا.

وهذه الآيةُ -فيما يَزْعُمُ أهلُ التأويلِ- نزَلت يومَ الخندقِ، حين لَقِى المؤمنون ما لَقُوا مِن شِدَّةِ الجَهْدِ، مِن خوفِ الأحزابِ، وشدةِ أذى البردِ، وضيقِ العَيْشِ الذي كانوا فيه يومئذٍ، يقول اللهُ جل وعز للمؤمنين مِن أصحابِ رسولِه : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (٩) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ٩ - ١١].


(١) ينظر ما تقدم في ٢/ ٤١٢، ٤١٣، ٥٨٥، ومعاني القرآن للفراء ١/ ١٣٢.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "رسله".
(٣) في الأصل: "فينجز".