للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يزالوا بذلك يشرَبُونَها، حتى صنَع عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ طعامًا، فدعا ناسًا من أصحابِ النَّبِيِّ ، فيهم عليُّ بنُ أبى طالبٍ، فقرَأ: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ ولم يفهَمْها، فأنزَل اللهُ ﷿ يشدِّدُ في الخمرِ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ فكانت لهم حلالًا، يشرَبون من صلاةِ الفجرِ حتى يرتفِعَ النهارُ أو ينتصفَ، فيقومون إلى صلاةِ الظهرِ وهم مُصْحُون، ثم لا يشرَبونَها حتى يصلُّوا العَتَمةَ -وهى العشاءُ- ثم يشربونها حتى ينتصِفَ الليلُ وينامون، ثم يقومون إلى صلاةِ الفجرِ وقد صَحُوا، فلم يزالُوا بذلك يشربونها، حتى صنَع سعدُ بنُ أبى وقاصٍ طعامًا، فدعا ناسًا من أصحابِ النَّبِيِّ فيهم رجلٌ من الأنصارِ، فشوَى لهم رأسَ بعيرٍ ثم دعاهُم عليه، فلما أكَلُوا وشرِبوا من الخمرِ، سَكِرُوا وأخذوا في الحديثِ، فتكلَّم سعدٌ بشيءٍ، فغضِبَ الأنصارىُّ، فرفَع لَحْىَ البعيرِ (١) فكسَر أنفَ سعدٍ، فأنزلَ اللهُ نسخَ الخمرِ وتحريمَها، وقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾. إلى قولِه: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾.

حَدَّثَنَا الحسنُ بنُ يحيي، قال: أخبرنا عبدُ الرزَّاقِ، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادةَ، وعن رجلٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾. قالا: لما نزَلتْ هذه الآيةُ شَرِبها بعضُ الناسِ وترَكَها بعضٌ، حتى نزَل تحريمها في سورةِ "المائدةِ" (٢).

حَدَّثَنَا محمدُ بنُ عَمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسي، عن


(١) لحى البعير: مفرد اللَّحْيين، وهما حائطا الفم، وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم من كلّ ذى لَحْى يكون للإنسان والدابة. اللسان (ل ح ى).
(٢) تفسير عبد الرزاق ١/ ٨٨.