للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"ارْضَخْ (١) مِن الفَضْلِ، وابْدَأْ بمَن تَعُولُ، ولا تُلامُ على كَفَافٍ" (٢).

وما أشبهَ ذلك مِن الأخبارِ التى يطولُ باستقصاءِ ذكرِها الكتابُ.

فإذا كان الذى أَذِن لأمتِه الصدقةَ مِن أموالِهم الفضْلَ (٣) عن حاجةِ المتُصَدِّقِ، فالفضلُ (٤) من ذلك هو العفوُ مِن مالِ الرجلِ، إذ كان العفوُ في كلامِ العربِ في المالِ وفى كلِّ شيءٍ هو الزيادةُ والكثرةُ، ومن ذلك قولُه جل ثناؤُه: ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥]. بمعنى: زادُوا على ما كانوا عليه مِن العددِ وكثُروا. ومنه قولُ الشاعرِ (٥):

ولكنَّا [يَعَضُّ السيفُ منا] (٦) … بأَسْوُقِ عَافِياتِ الشَّحْمِ (٧) كُومِ

يعنى به كثيراتِ الشحومِ. ومِن ذلك قيل للرجلِ: خُذْ ما عفا لك مِن فلانٍ. يُرادُ به: ما فضَل فصفا لك عن جُهْدِه بما لم يَجْهَدْه - كان بَيِّنًا أن الذى أذِن اللهُ به في قولِه: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ لعبادِه مِن النفقةِ، فأذِنهم بإنفاقِه إذا أرادوا إنفاقَه، هو الذى بيَّن لأمتِه رسولُ اللهِ بقولِه: "خيرُ الصدقةِ ما أنفقتَ عن غِنًى". وآذَنَهم به.

فإن قال لنا قائلٌ: وما تُنْكِرُ أن يكونَ ذلك العفوُ هو الصدقةَ المفروضةَ؟

قيل: أنكَزنا ذلك لقيامِ الحُجَّةِ على أن مَن حلَّت في مالِه الزكاةُ المفروضةُ،


(١) رضخ له من ماله: إذا أعطاه عطاء غير كثير. التاج (ر ض خ).
(٢) أخرجه أبو يعلى (٥١٢٥) من طريق إبراهيم الهجرى به، وأخرجه الطيالسى (٣١٠)، وابن زنجويه في الأموال (٢٣٤٩) من طريق إبراهيم به موقوفًا.
(٣) في م: "بالفضل".
(٤) في النسخ: "الفضل".
(٥) هو لبيد بن أبى ربيعة، والبيت في شرح ديوانه ص ١٠٤.
(٦) في الديوان: "نعض السيف منها".
(٧) في الديوان: "اللحم".