للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: قال: العفوُ الصدقةُ المفروضةُ (١).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك ما قاله ابنُ عباسٍ على ما رواه عنه عطيةُ، مِن أن قولَه: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾. ليس بإيجابِ فرضٍ فُرِض مِن اللهِ حقًّا في مالِه، ولكنه إعلامٌ منه ما يُرْضِيه مِن النفقةِ ممَّا يُسْخِطُه، جوابًا منه لمَن سأَل نبيَّه محمدًا عمَّا فيه له رضًا، فهو أدبٌ من اللهِ لجميعِ خلقِه على ما أدَّبهم به في الصدقةِ غيرِ (٢) المفروضاتِ، ثابتُ الحكمِ، غيرُ ناسخٍ لحكمٍ كان قبلَه بخلافِه، ولا منسوخٍ بحكمٍ حدَث بعدَه، فلا ينبغِى لذى وَرَعٍ ودِينٍ أن يَتَجاوَزَ في صدقاتِه (٣) التطوّعِ وهِباتِه وعطايا النفلِ وصدقتِه ما أدَّبهم به نبيُّه بقولِه: "إذا كان عندَ أحدِكم فضلٌ فَلْيَبْدَأْ بنفسِه، ثم بأهلِه، ثم بولدِه". ثم يَسْلُكُ حينئذٍ في الفضلِ مسالكَه التِى تُرْضِى اللهَ ويُحِبُّها، وذلك هو القَوَامُ بينَ الإسرافِ والإقتارِ الذى ذكَره اللهُ ﷿ في كتابِه (٤) إن شاء اللهُ تعالى.

ويقالُ لمَن زعَم أن ذلك منسوخٌ: ما الدلالةُ على نسخِه وقد أجْمَع الجميعُ لا خلافَ بينهم، على أن للرجلِ أن يُنْفِقَ مِن مالِه صدقةً وهبةً ووصيةً الثلثَ، فما الذى دلَّ على أن ذلك منسوخٌ؟ فإن زعَم أنه يعنى بقولِه: إنه منسوخٌ، أن إخراجَ العفوِ مِن المالِ غيرُ لازمٍ فرضًا، وأن فرضَ ذلك ساقطٌ بوجودِ الزكاةِ في المالِ. قيل له: وما الدليلُ على أن إخراجَ العفوِ كان فرضًا فأسقَطه فرضُ الزكاةِ، ولا دلالةَ في الآيةِ على أن ذلك كان فرضًا، إذ لم يكنْ أمرٌ مِن اللهِ عزَّ ذكرُه، بل فيها الدلالةُ


(١) تقدم تخريجه في ص ٦٩٠.
(٢) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "عن".
(٣) في م: "صدقات".
(٤) يعنى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧].