للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ إلى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾: وإن الناسَ كانوا إذا كان في حِجْرِ أحدِهم اليتيمُ جعَل طعامَه على ناحيةٍ، ولبنَه على ناحيةٍ، مخافةَ الوِزرِ، وإنه أصاب المؤمنين الجَهْدُ، فلم يكنْ عندَهم ما يَجْعَلون خَدَمًا لليتامى، فقال اللهُ: ﴿قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ﴾ إلى آخرِ الآيةِ.

حُدِّثْتُ عن الحسينِ (١) بنِ الفرجِ، قال: سمِعتُ أبا مُعاذٍ، قال: أخبَرَنا عُبَيْدُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعتُ الضحَّاكَ يقولُ في قولِه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾: كانوا في الجاهليةِ يُعَظِّمون (٢) شأنَ اليتيمِ، فلا يَمَسُّون مِن أموالِهم شيئًا، ولا يَرْكَبون لهم دابَّةً، ولا يَطْعَمون لهم طعامًا، فأصابهم في الإسلامِ جَهْدٌ شديدٌ، حتى احتاجوا إلى أموالِ اليتامى، فسألوا نبىَّ اللهِ عن شأنِ اليتامى، وعن مُخالطتِهم، فأنْزَل اللهُ: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ يعنى بالمخالطةِ ركوبَ الدابَّةِ، وخدمةَ الخادمِ، وشربَ اللبنِ.

فتأويلُ الآيةِ إذن: ويَسْألُك يا محمدُ أصحابُك عن مالِ اليتامى، وخَلْطِهم أموالَهم به في النفقةِ والمُطَاعَمةِ والمُشَارَبةِ والمُسَاكنةِ والخِدمةِ، فقل لهم: تَفَضُّلُكم عليهم -بإصلاحِكم أموالَهم مِن غيرِ مَرْزِئَةِ (٣) شيءٍ مِن أموالِهم، وغيرِ أخْذِ عِوَضٍ مِن أموالِهم على إصلاحِكم ذلك لهم- خيرٌ لكم عندَ اللهِ، وأعظمُ لكم أجرًا؛ لما لكم في ذلك مِن الأجرِ والثوابِ، وخيرٌ لهم في أموالِهم في عاجلِ دنياهم؛ لِما في ذلك مِن توفُّرِ أموالِهم عليهم، وإن تُخالِطوهم فتُشارِكوهم بأموالِكم أموالَهم في


(١) في النسخ: "الحسن". وتقدم مرارًا.
(٢) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "يطعمون".
(٣) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "مرزبة". والمرزئة: النقصان. يقال: رزأ الشئ. أى نقصه. التاج (رزأ).