للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال لنا قائلٌ: وكيفَ قال: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ فرفَع الإخوانَ، وقال في موضعٍ آخرَ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: ٢٣٩]؟ قيل: لافتراقِ (١) معنييْهما، وذلك أن أيتامَ المؤمنين إخوانُ المؤمنين، خالَطَهم المؤمنون بأموالِهم أو لم يُخالِطوهم. فمعنى الكلامِ: وإن تُخالِطوهم فهم إخوانُكم، و"الإخوانُ" مرفوعون (٢) بالمعنى المتروكِ ذكرُه وهو "هم" لدلالةِ الكلامِ عليه، وأنه لم يُرِدْ بالإخوانِ الخبرَ عنهم أنهم كانوا إخوانًا مِن أجلِ مخالطةِ وُلاتِهم إيَّاهم، ولو كان ذلك المرادَ لكانت القراءةُ نصبًا، وكان معناه حينئذٍ: وإن تُخالِطوهم فخالِطوا إخوانَكم. ولكنه قُرِئ رفعًا لِمَا وصَفتُ مِن أنهم إخوانٌ للمؤمنين الذين يَلُونهم، خالَطوهم أو لم يُخالِطوهم.

وأمَّا قولُه: ﴿فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ فنُصِب لأنهما حالانِ للفعلِ غيرُ ذاتِيَّين (٣)، ولا يَصْلُحُ معَهما "هو"، وذلك أنك لو أظْهَرت "هو" معَهما لاسْتَحال الكلامُ. ألا تَرَى أنه لو قال قائلٌ: إن خفتَ مِن عدوِّك أن تُصَلِّىَ قائمًا، فهو راجِلٌ أو راكبٌ. لبطَل المعنى المرادُ بالكلامِ. وذلك أن تأويلَ الكلامِ: فإن خِفتُم أن تُصَلُّوا قيامًا مِن عدوِّكم، فصلُّوا رِجالًا أو رُكبانًا، ولذلك نصبَه إجراءً على ما قبلَه مِن الكلامِ، كما تقولُ في نحوِه مِن الكلامِ: إن لبِستَ ثيابًا فالبياضَ. فتنصِبُه لأنك تُرِيدُ: إن لبِستَ ثيابًا فالْبَسِ البياضَ. ولستَ تُرِيدُ الخبرَ عن أن جميعَ ما يُلْبَسُ مِن الثيابِ فهو البياضُ، ولو أرَدْتَ الخبرَ عن ذلك لقلتَ: إن لبِستَ ثيابًا فالبياضُ. رفعًا، إذ كان مَخْرَجُ الكلامِ على وجهِ الخبرِ منك عن اللابسِ أن كلَّ ما


(١) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "لا فراق".
(٢) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "مرفوعًا".
(٣) كذا بالنسخ، وهى غير منقوطة في ت ٢. وقد جعلها الشيخ شاكر ٤/ ٣٥٦: "دائمين". وقال: وهو تصحيف فاحش لا معنى له.