للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدمُ (١).

وأمَّا الذين قرَءوا ذلك بتشديدِ الهاءِ وفتحِها، فإنهم عَنَوْا به: حتى يَغْتَسِلْنَ بالماءِ. وشدَّدوا الطاءَ؛ لأنهم قالوا: معنى الكلمةِ: حتى يَتَطَهَّرْنَ. أُدْغِمت التاءُ فى الطاءِ لتقاربِ مخرجَيْهما.

وأَوْلَى القراءتينِ بالصوابِ (٢) فى ذلك قراءةُ مَن قرَأ: (حتى يَطَّهَّرْنَ) بتشديدِها وفتحِها، بمعنى: حتى يَغْتَسِلْنَ؛ لإجماعِ الجميعِ على أن حرامًا على الرجلِ أن يَقْرَبَ امرأتَه بعدَ انقطاعِ دمِ حيضِها حتى تَطْهُرَ.

وإنما اخْتُلِفَ فى التطهُّرِ الذى عناه الله تعالى ذكرُه فأحلَّ له جماعَها؛ فقال بعضُهم: هو الاغتسالُ بالماءِ، ولا يَحِلُّ لزوجِها أن يَقْرَبَها حتى تَغْسِلَ جميعَ بدنِها.

وقال بعضُهم: هو الوُضوءُ للصلاةِ.

وقال آخرون: بل هو غَسلُ الفرجِ، فإذا غسَلت فرجَها فذلك تطهُّرُها الذى يَحِلُّ به لزوجِها غشيانُها.

فإذا كان إجماعٌ من الجميعِ أنها لا تَحِلُّ لزوجِها بانقطاعِ الدمِ حتى تَطَّهَّرَ، كان بيِّنًا أن أَوْلَى القراءتينِ بالصوابِ أنفاهُما لِلَّبْسِ عن فهمِ سامعِها، وذلك هو الذى اخترْنا، إذ كان فى قراءةِ قارئِها بتخفيفِ الهاءِ وضمِّها ما لا يُؤْمَنُ معَه اللَّبْسُ على سامعِها من الخطأِ فى تأويلِها، فيرَى أن لزوجِ الحائضِ غشيانَها بعدَ انقطاعِ دمِ حيضِها عنها، وقبلَ اغتسالِها وتطهُّرِها.

فتأويلُ الآيةِ إذن: ويسألونك عن المحيضِ، قل: هو أذًى، فاعتزِلوا جماعَ


(١) ذكره ابن أبى حاتم فى تفسيره ٢/ ٤٠١ عقب الأثر (٢١١٧) معلقا.
(٢) القراءتان متواترتان، وليست إحداهما أولى بالصواب من الأخرى.