للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويُزِيلُ الشكَّ مِن قَرَأَةِ الأمةِ، وفي تركِهم نقلَ ذلك كذلك أوضحُ الدليلِ على أنهم كانوا في القراءةِ بها مُخَيَّرِين، بعدَ (١) أن يكونَ في نَقَلةِ القرآنِ مِن الأمَّةِ مَن تَجِبُ بنقلِه الحجةُ ببعضِ تلك الأحرفِ السبعةِ، فإذ (٢) كان ذلك كذلك، لم يَكُنِ القومُ بتركِهم نقلَ جميعِ القراءاتِ السبعِ تارِكِين ما كان عليهم نقلُه، بل كان الواجبُ عليهم مِن الفعلِ ما فعَلوا، إذ كان الذي فعَلوا مِن ذلك، كان هو النَّظَرَ للإسلامِ وأهلِه، فكان القيامُ بفعلِ الواجبِ عليهم بهم أولى مِن فعلِ ما لو فعَلوه كانوا إلى الجنايةِ على الإسلامِ وأهلِه أقربَ منهم إلى السلامةِ مِن ذلك.

فأما ما كان مِن اختلافِ القرأةِ في رفعِ حرفٍ وجرِّه ونصبِه، وتَسْكينِ حرفٍ وتحريكِه، ونقلِ حرفٍ إلى آخرَ، مع اتفاقِ الصورةِ، فمِن معنى قولِ النبيِّ : "أُمِرْتُ أن أقْرَأَ الْقُرْآنَ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ" - بمَعْزِلٍ؛ لأنه معلومٌ أنه لا حرفَ مِن حروفِ القرآنِ مما اخْتَلَفَت القرأَةُ في قراءتِه بهذا المعنى يُوجِبُ المِراءُ به كفْرَ المُمارِي به في قولِ أحدٍ مِن علماءِ الأمةِ (٣).

وقد أوْجَب بالمراءِ فيه الكفرَ مِن الوجهِ الذي تَنازَع فيه المُتَنازِعون إليه، وتَظاهَرَت عنه بذلك الروايةُ، على ما قد قدَّمْنا ذكرَها في أولِ هذا البابِ (٤).


(١) في ت ١: "بين".
(٢) في م: "فإذا".
(٣) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والنزاع في أن القراءات السبعة المنسوبة إلى نافع وعاصم وغيرهما هل هي حرف من الحروف السبعة أم لا؟ فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أنها حرف من الحروف السبعة، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي على جبريل، والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول. مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٩٥.
(٤) في ت ٢: "الكتاب".