للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والواجبُ على هذا التأويلِ أن يَكونَ قولُه تعالى ذكرُه: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ في الآخِرةِ بما شاء مِن العقوباتِ، وأن تكونَ الكفارةُ إنما تَلْزَمُ الحالفَ في الأيمانِ التى هى لَغْوٌ. وكذلك رُوى عن عليِّ بنِ أبي طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ أنه كان لا يَرَى الكفارةَ إلا في الأيمانِ التى تَكونُ لَغْوًا، فأما ما كسَبَتْه القلوبُ، وعقَدَت فيه على الإثم، فلم يَكُنْ يُوجِبُ فيه الكفارةَ. وقد ذكَرْنا الروايةَ عنهم بذلك فيما مضَى قبلُ (١).

وإذ كان ذلك تأويلَ الآيةِ عندَهم، فالواجبُ على مذهبِهم أن يَكونَ معنى الآيةِ في سورةِ "المائدةِ" (٢): ﴿لا يُؤاخِذُكم اللهُ باللغوِ في أيمانِكم، ولكنْ يُؤاخِذُكم بما عقَّدتُم الأيمانَ، فكفارتُه إطعام عشَرةِ مَساكينَ مِن أوْسطِ ما تُطْعِمون أهْليكم أو كِسوتُهم أو تحريرُ رقبةٍ، فمَن لم يجِدْ فصيامُ ثلاثةِ أيامٍ، ذلك كفارةُ أيْمانِكم إذا حلَفْتُم﴾ ولكن يؤاخِذُكم بما عقَّدْتُم، ﴿واحْفَظوا أيْمانَكم﴾.

وبنحوِ ما ذكَرْناه عن ابنِ عباسٍ مِن القولِ في ذلك كان سعيدُ بنُ جُبيرٍ والضحاكُ ابنُ مُزاحِمٍ وجماعةٌ أُخَرُ غيرُهم يقولون، وقد ذكَرْنا الروايةَ عنهم بذلك آنفًا.

وقال آخَرونَ: المعنى الذى أوْعَد اللهُ تعالى عبادَه المُؤاخَذةَ بهذه الآيةِ، هو حَلِفُ الحالفِ على باطلٍ يَعْلَمُه باطلًا، وبذلك أوْجَب اللهُ عندَهم الكفارةَ دونَ اللغوِ الذى يَحْلِفُ به الحالفُ وهو مُخطِئٌ في حلفِه، يَحْسَبُ أن الذى حلَف عليه كما حلَف، وليس ذلك كذلك.


(١) ينظر ما تقدم ص ٢٠.
(٢) الآية ٨٩.