للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خوفَ (١) عليها في ذهابِ حقٍّ لها، لما حلَّ لها إعطاؤُه ذلكَ، إلَّا علَى وجهِ طيبِ النفسِ منها بإعطائِه إيَّاهُ على ما يَحِلُّ له أخذُه منها؛ لأنها متى أعطَتْه ما لا يَحلُّ له أخذُه منها وهي قادرةٌ على مَنعِه ذلكَ بما لا ضررَ عليها في نفسٍ ولا دينٍ، ولا في حقٍّ لها تخافُ ذهابَه، فقد شارَكَتْه في الإثمِ بإعطائِه ما لا يَحلُّ له أخذُه منها على الوجهِ الذي أعطتْه عليْه، فلذلك (٢) وُضِع عنها الجناحُ إذا (٣) كان النشوزُ من قِبلِها، وأعطَتْه ما أعطَتْه من الفديةِ بطيبِ نفسٍ؛ ابتغاءً منها بذلك سلامتَها وسلامةَ صاحبِها من الوِزْرِ والمأثمِ، وهي - إذا أعطَتْه على هذا الوجهِ - باستحقاقِ الأجرِ والثوابِ من اللهِ أوْلى إن شاءَ اللهُ من الجنُاحِ والحرجِ، ولذلك قال جلّ ثناؤُه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ فوضَع الحرجَ عنها فيما أعطَتْه على هذا الوجهِ من الفديةِ على فِراقِه إيَّاها، وعنه فيما قبَض منها إذ كانت مُعطيةً على المعنى الذي وصَفْنا، وكان قابضًا منها ما أعطتْه من غيرِ ضِرارٍ، بل طلَبَ السلامةِ لنفسِه ولها في [أديانِهما وحذارًا للأوزارِ] (٤) والمأثمِ.

وقد يتَّجِهُ قولُه جلّ ثناؤُه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ وجهًا آخرَ من التأويلِ، وهو أنَّها لو بذَلتْ له ما بذَلتْ من الفديةِ على غيرِ الوجهِ الذي أذِن نبيُّ اللهِ لامرأةِ ثابتِ بنِ قيسِ بنِ شَمَّاسٍ، وذلك لكراهتِها أخلاقَ زوجِها أو دمامةَ خَلْقِه، وما أشبَهَ ذلك من الأمورِ التي يكرهُها الناسُ بعضُهم من بعضٍ، ولكن على الانصرافِ منها بوجْهِها إلى آخرَ غيرِه على وجهِ الفسادِ وما لا يَحِلُّ لها - كان حرامًا عليها أنْ تُعطىَ على مسألتِها إياهُ فِراقَها على ذلك الوجهِ شيئًا؛ لأنَّ مسألتَها إيّاه الفرقةَ على ذلك


(١) في ص، م: "حق".
(٢) في م: "فكذلك".
(٣) في الأصل: "إذ".
(٤) في ص: "أورالهما وحذار الأوزار"، وفي م: "أديانهما وحذار الأوزار".