للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (١).

وأَوْلَى هذه الأقوالِ بالصوابِ قولُ مَن قال: إذا خِيفَ مِن الرجلِ والمرأةِ ألا يُقيما حُدودَ اللهِ على سبيلِ ما قدَّمْنا البيانَ عنه، فلا حرَج عليهما فيما افْتَدَتْ به المرأةُ نفسَها مِن زوجِها مِن قليلِ ما تَمْلِكُه وكثيرِه مما يجوز للمسلمِين أن يَمْلِكُوه، وإنْ أتَى ذلك على جميعِ مِلْكِها؛ لأن اللهَ تعالى ذكرُه لم يَخُصَّ ما أباحَ لهما من ذلك على حدٍّ لا يُجاوَزُ، بل أطْلَق ذلك في كلِّ ما افتدَتْ به، غيرَ أني أختارُ للرجلِ استحبابًا لا تَحتيمًا (٢) - إذا تَبَيَّنَ من امرأتِه أن افتداءَها منه لغيرِ معصيةٍ للهِ، بل خوفًا منها على دينِها - أن يُفارِقَها بغيرِ فديةٍ ولا جُعْلٍ، فإن شَحَّتْ نفسُه بذلك، فلا يَبْلُغْ بما يأخُذُ منها جميعَ ما آتاها. فأمّا قاله بَكْرُ بنُ عبدِ اللهِ مِن أنَّ هذا الحكمَ في جميعِ الآيةِ منسوخٌ بقولِه: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾. فقولٌ لا معنى له، فنَتَشاغلَ بالإبانةِ عن خَطَئِه؛ لمعنيَيْن؛ أحدُهما، إجماعُ الجميعِ من الصحابةِ والتابعِين ومَن بعدَهم من المسلمِين على تَخطئتِه وإجازةِ أخذِ الفِدْيةِ من المُفْتَدِيةِ نفسَها لزوجِها، وفي ذلك الكفايةُ عن الاستشهادِ على خطئِه بغيرِه. والآخرُ، أن الآيةَ التي في سورةِ "النِّساءِ" إنما حرَّم اللهُ فيها على زوجِ المرأةِ أن يأخُذَ منها شيئًا مما آتاها، بأن أراد الرجلُ استبدالَ زوجٍ بزوجٍ من غيرِ أن يكونَ هنالك خوفٌ من المسلمين عليهما مُقامَ أحدِهما على صاحبِه ألا يُقيما حدودَ اللهِ، ولا نشوزٌ من المرأةِ على الرجلِ. وإذا كان الأمرُ كذلك، فقد ثَبَت (٣) أن أخذَ الزوجِ مِن امرأتِه مالًا على وجهِ الإكراهِ لها والإضرارِ بها، حتى تُعطَيَه شيئًا من مالِها على فِراقها - حرامٌ، ولو كان ذلك حبّةَ فِضّةٍ فصاعدًا.


(١) ذكره النحاس في ناسخه ص ٢٢٦ عن عقبة به.
(٢) في ص: "تحريما".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بينا"، وغير منقوطة في ص، والمثبت ما يقتضيه السياق.