للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النهيِ، وموضعُه - إذا قرِئ (١) كذلك - جَزْمٌ، غيرَ أنه حُرِّك (٢)، إذ تُرِك التضعيفُ بأخفِّ الحركاتِ وهو الفتحُ، ولو حُرِّك إلى الكسرِ كان جائزًا، إتْباعًا لحركةِ لامِ (٣) الفعلِ حركةَ عينِه، وإن شئتَ فلأنَّ الجزمَ إذا حُرِّك حُرِّك إلى الكسرِ (٤).

وقرَأ ذلك بعضُ أهلِ الحجازِ وبعضُ أهلِ البصرةِ: (لَا تُضَارُّ (٥) والدةٌ بولَدِها) رفعٌ (٦). ومَن قرَأَه كذلِك لَمْ تَحْتَمِلْ قراءتُه معنى النهيِ، ولكنها تكونُ الخبرَ (٧)، عطفًا بقولِه: ﴿لَا تُضَارَّ﴾ على قولِه: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا﴾.

وقد زعَم بعضُ نحويِّي البصرةِ أن معنى مَن رفَع: (لا تُضارُّ والدةٌ بولدِها) هكذا في الحكمِ، أنه لا تُضارُّ والدةٌ بولدِها. أي: ما يَنْبَغي أن تُضارَّ. فلما حُذِفَت "يَنْبَغِي"، وصار "تُضارُّ" في موضعِه صار على لفظِه. واستَشْهد لذلك بقولِ الشاعرِ (٨):

عَلَى الحَكَمِ المَأْتِيِّ يومًا إذا قضَى … قَضِيَّتَه ألا يَجُورَ ويَقْصِدُ (٩)

فزعَم أنه رفَع "يَقْصِدُ" بمعنى "يَنْبَغِي". والمحكيُّ عن العربِ سَماعًا غيرُ الذي قال، وذلك أنه رُوِي عنهم سَماعًا: فتَصْنَعَ ماذا. إذا أرادوا أن يقولوا: فتُرِيدُ أن تَصْنَعَ ماذا. فيَنْصِبونه بنيَّةِ "أن"، وإذا لَمْ يَنْوُوا "أن" ولم يُريدُوها، قالوا: فتُرِيدُ


(١) في ص: "قوى".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢: "حول".
(٣) في ص: "لأن".
(٤) ينظر تعليق الشيخ شاكر على هذا الموضع من كلام المصنف، وينظر ما سيأتي في ص ٢١٨، ٢١٩.
(٥) في م: "تضارر". وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. حجة القراءات ص ١٣٦.
(٦) في النسخ: "فعل". والمثبت هو الصواب.
(٧) في م: "بالخبر". ويعني بقوله تكون الخبر، أي تكون على معناه.
(٨) البيت في شرح المفصل ٧/ ٣٨، واللسان (ق ص د)، وخزانة الأدب ٨/ ٥٥٥، ٥٥٧، ٥٥٨ وقد نسب فيها إلى أبي اللحام التغلبي، ونسبه في الكتاب ٣/ ٥٦ إلى عبد الرَّحمن بن أم الحكم.
(٩) يقصد: يعدل، من القصد وهو العدل. التاج (ق ص د).