للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك مما يَكونُ بينَ الرجالِ والنساءِ في خَفاءٍ، غيرَ ظاهرٍ مطَّلَعٍ عليه، فسُمِّي لخفائِه سرًّا، مِن ذلك قولُ رُؤْبةَ بنِ العَجَّاجِ (١):

فعَفَّ عن أسْرارِها بعدَ العَسَقْ (٢)

ولم يُضِعْها بينَ فِرْكٍ (٣) وعَشَقْ

يعني بذلك: عفَّ عن غِشْيانِها بعدَ طولِ مُلازمتِه ذلك. ومنه قولُ الحُطَيْئةِ (٤):

ويَحْرُمُ سرُّ جارتِهم عليهمْ … ويَأْكُلُ جارُهم أُنُفَ القِصاعِ (٥)

وكذلك يُقالُ لكلِّ ما أخْفاه المَرْءُ في نفسِه: سرٌّ.

ويُقالُ: هو في سِرِّ قومِه. يعني: في خِيارِهم وشرَفِهم.

فلمَّا كان السرُّ إنما يُوَجَّهُ في كلامِها (٦) إلى أحدِ هذه الأوجهِ الثلاثةِ، وكان معلومًا أن أحدَهن غيرُ معنيٍّ به قولُه: ﴿وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾. وهو السرُّ الذي هو معنى الخِيارِ والشرفِ، فلم يَبْقَ إلا الوجهان الآخَران، وهو السرُّ الذي بمعنى ما أخْفَتْه نفسُ المُواعدِين (٧)، والسرُّ الذي بمعنى الغِشْيانِ والجِماعِ، فلمَّا لم يَبْقَ


(١) ديوانه ص ١٠٤.
(٢) في م: "الغسق".
(٣) الفرك: بِغْضة الرجل لامرأته، أو بغضة امرأته له. اللسان (ف ر ك).
(٤) ديوانه ص ٦٢.
(٥) أُنُف القصاع: أولها، أي: يبدءون به، ولا يؤكل منها قبله. يقال كأس أُنُف: لم يشرب منها. وروضة أنف: لم تُرْعَ. المصدر السابق.
(٦) يعني: في كلام العرب.
(٧) في ص: "المواعد بين المتواعدين"، وفي م: "المواعدين المتواعدين".