للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واخْتَلَفت القَرأةُ في قراءةِ "القَدَرِ"؛ فقرَأه بعضُهم: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾. بتحريكِ الدالِ إلى الفتحِ مِن "القَدَرِ" (١)، توجيهًا منهم ذلك إلى الاسمِ مِن التقديرِ الذي هو مِن قولِ القائلِ: قدَر فلانٌ هذا الأمرَ.

وقرأ آخَرون بتسكينِ الدالِ منه (٢)، توجيهًا منهم ذلك إلى المصدرِ مِن ذلك، كما قال الشاعرُ (٣):

وما صَبَّ رِجْلِي (٤) في حديدِ مُجاشِعٍ … مع القَدْرِ إلا حاجةٌ لي أُرِيدُها

والقولُ في ذلك عندي أنهما جميعًا قراءتان قد جاءَت بهما الأُمَّةُ، ولا تُحِيلُ القراءةُ بإحداهما معنًى في الأخرَى، بل هما مُتَّفِقَتا المعنى، فبأيِّ القراءتين قرَأ القارئُ ذلك، فهو للصوابِ مُصِيبٌ. وإنما يَجوزُ اخْتيارُ بعضِ القراءاتِ على بعضٍ؛ لبَيْنونةِ المُخْتارَةِ على غيرِها بزيادةِ معنًى أوْجَبَت لها الصحةَ دونَ غيرِها، وأمّا إذا كانت المعاني في جميعِها متفقةً، فلا وجهَ للحكمِ لبعضِها بأنه أوْلَى أن يكونَ مَقْروءًا به مِن غيرِه.

فتأويلُ الآيةِ إذن: لا حَرَجَ عليكم أيُّها الناسُ لأن طلَّقْتُم النساءَ وقد فرَضْتُم لهن ما لم تُماسُّوهن (٥)، أو (٦) أن طلَّقْتُموهن ما لم تُماسُّوهن قبلَ أن تَفْرِضوا لهن، ومتِّعوهن


(١) وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم. السبعة لابن مجاهد ص ١٨٤.
(٢) هي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وأبي بكر عن عاصم. السبعة ص ١٨٤.
(٣) هو الفرزدق كما في اللسان (ص ب ب)، ونقله عنه في شرح ديوانه ص ٢١٥، وهو في اللسان أيضًا (ق ر ر). وقال التبريزى في تهذيب إصلاح المنطق ١/ ١٦٨: ذكر يعقوب أن هذا البيت للفرزدق، ولم أجده في شعره ولا في أخباره.
(٤) يقال: صُبّ رجلا فلان في القيد: إذا قُيِّد. اللسان (ص ب ب).
(٥) في ت ٢: "تمسوهن".
(٦) في م: "و".