للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُحْسِنِينَ﴾. فقال رجلٌ: فإن أحسنتُ فعَلتُ، وإِن لم أُرِدْ ذلك لم أَفْعَلْ، فَأَنْزَل الله: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ (١).

والصوابُ من القول في ذلك ما قاله سعيدُ بنُ جُبيرٍ، مِن أن الله تعالى ذكرُه أنْزَلها دليلًا لعباده على أن لكلِّ مُطلَّقةٍ متعةً؛ لأن الله تعالى ذكرُه ذكر في سائر أي القرآن التي فيها ذكرُ متعة النساءِ خصوصًا من النساءِ، فبيَّن في الآية التي قال فيها: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾. وفى قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ [الأحزاب: ٤٩]. ما لهنَّ مِن المتعة إذا طُلِّقن قبل المسيس، وبقولِه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٢٨] حكم المدخول بهنَّ، وبقى حكمُ الصبايا إذا طُلِّقن بعد الابتناءِ بهنَّ، وحكمُ الكوافر والإماء، فعمَّ الله تعالى ذكرُه بقوله: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾. ذكرَ جميعهنَّ، وأخبَر بأنَّ لهنَّ المتاع، كما أبان (٢) المطلقات الموصوفات بصفاتهن في سائر آي القرآن، ولذلك كرَّر ذكرَ جميعهنَّ في هذه الآية.

وأمَّا قولُه: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. فإنَّا قد بينَّا معنى قوله: ﴿حَقًّا﴾. ووجه نصبه، والاختلاف مِن أهل العربية فيه في قوله: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾. ففى ذلك مُسْتَغْنى عن إعادته في هذا الموضع (٣).

فأَمَّا "المُتَّقون"، فهم الذين اتقوا الله في أمره ونهيه وحدوده، فقاموا بها على


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣١٠ إلى المصنف.
(٢) في ص: "أ" وبعده بياض، وأثبتها الشيخ شاكر: "خص".
(٣) ينظر ما تقدم في ص ٣٠٨.