للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنكَر ذلك مِن قولِهم آخرون، وقالوا: لو جاز أن يُقَالَ ذلك على التأويلِ الذي تأوَّله قائلُ مَن حكينا، قولَه، لوَجَب أن يَكُونَ جائزًا: ضرَبتُك بالجاريةِ وأنت كفيلٌ (١). بمعنى: وأنت كفيلٌ بالجاريةِ. وأن تَقُولَ: رأيتُك [إيَّانا وتريدُ] (٢). بمعنى: رأيتُك وإيَّانا تُريدُ. لأن العربَ تَقُولُ: إياك بالباطلِ أن تَنْطِقَ. قالوا: فلو كانت الواوُ مُضْمَرةً في "أن" الجاز جميعُ ما ذكَرنا، ولكنَّ ذلك غيرُ جائزٍ؛ لأن ما بعدَ الواوِ مِن الأفاعيلِ غيرُ جائزٍ له أن يَقَعَ على ما قبلَها، واسْتَشْهَدُوا على فسادِ قولِ مَن زعَم أن الواوَ مُضْمَرَةٌ مع "أن" بقولِ الشاعرِ (٣):

فَبُحْ بالسَّرائرِ في أهلِها … وإياك في غيرِهم أن تَبُوحا

وأنَّ "أنْ تَبوحا" لو كان فيها واوٌ مُضْمَرةٌ لم يَجُزْ تَقْدِيمُ "في (٤) غيرِهم" عليها.

وأما تأويلُ قولِه: ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾. فإنه يعنى: وقد أُخْرِجَ مَن غُلِب عليه مِن رجالِنا ونسائنا مِن ديارِهم وأولادِهم، ومَن سُبِىَ. وهذا الكلامُ ظاهرُه العمومُ، وباطنُه الخصوصُ؛ لأن الذين قالوا لنبيِّهم: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. كانوا في ديارِهم وأوطانِهم، وإنما كان أُخْرِج مِن دارِه وولده مَن أُسِر وقُهِر منهم.

وأما قولُه: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ يَقولُ: فلما فُرِض عليهم قتالُ عدوِّهم والجهادُ في سبيلِه، ﴿تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾.


(١) في س: "قبيل". والكفيل والقبيل واحد.
(٢) في م: "أبانا ويزيد".
(٣) البيت في معاني القرآن للفراء ١/ ١٦٥.
(٤) سقط من النسخ، والمثبت من معاني القرآن للفراء ١/ ١٦٦.