للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبيه، عن ابن عباسٍ: ﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾: فالنهرُ الذي ابتُلِى به بنو إسرائيلَ نَهَرُ فِلَسْطِينَ (١).

حدَّثني موسى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾: هو نَهَرُ فِلَسْطِينَ (٢).

وأما قولُه: ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ فإنه خيرٌ من الله تعالى ذكرُه عن طالوتَ أنه قال لجنودِه، إذ شَكَوا إليه العَطَشَ، فَأَخْبَرهم (٣) أَن اللَّهَ مُبْتَلِيهِم بِنَهَرٍ، ثم أعلَمَهم أن الابتلاءَ الذي أخبرَهم عن الله به مِن ذلك النَّهَرِ، هو أن مَن شَرِب مِن مائِه فليس هو منه، يعنى بذلك أنه ليس من أهلِ ولايتِه وطاعتِه، ولا من المؤمنين بالله وبلقائِه. ويدُلُّ على أن ذلك كذلك قولُ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾. فَأَخرَجَ مَن لم يجاوزِ النهرَ من الذين آمنوا، ثم أخْلَص ذكرَ المؤمنين بالله ولقائِه عندَ دُنُوِّهم (٤) من جالوتَ وجنودِه بقولِه: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ وأخبَرهم أنه مَن لم يَطْعَمُه؛ يعنى: مَن لم يَطْعَمِ الماءَ من ذلك النهرِ.

والهاءُ في قولِه: ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ﴾. وفى قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ﴾. عائدةٌ على النَّهَرِ، والمعنى لمائِه. وإنما تَرَك ذكرَ الماءِ اكِتفاءً بفَهْمِ السامِعِ بذكْرِ النَّهَرِ كذلك، أن المرادَ به الماءُ الذي فيه.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٧٣ (٢٤٩٩) عن محمد بن سعد به.
(٢) تقدم تخريجه بتمامه في صفحة ٤٣٥، وأخرج هذا الجزء ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٧٣ (٢٥٠٢) وعقب (٢٤٩٩) من طريق عمرو بن حماد به.
(٣) في ص، م، ت ٢، س: "فأخبر".
(٤) في س: "دفعهم".