للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شطَنَت دارِي مِن دارِك. يُريدُ بذلك: بَعُدَت. ومِن ذلك قولُ نابغةِ بني ذُبْيانَ (١):

نأتْ بسعادَ عنكَ نَوًى شَطُونُ … فبانَت والفؤادُ بها رَهينُ

والنَّوَى: الوجهُ الذي نوَتْه وقصَدَتْه. والشَّطونُ: البعيدُ. فكأن الشيطانَ على هذا التأويلِ فَيْعَالٌ مِن: شَطَن. ومما يَدُلُّ على أن ذلك كذلك قولُ أميةَ بنِ أبي الصَّلْتِ (٢):

أَيُّمَا شاطِنٍ عَصَاه عَكاه (٣) … ثم يُلْقَى في السِّجْنِ والأكْبالِ (٤)

ولو كان فَعْلانَ مِن: شاط يَشِيطُ لَقال: أَيُّمَا شائطٍ. ولكنه قال: أَيُّمَا شاطنٍ؛ لأنه مِن: شَطَن يَشْطُنُ، فهو شاطنٌ.

تأويلُ قولِه: "الرَّجيمِ".

وأما الرجيمُ فهو فَعيلٌ بمعنى مفعولٍ (٥)، كقولِ القائلِ: كفٌّ خَضيبٌ، ولحيةٌ دَهينٌ، ورجلٌ لَعينٌ. يريدُ بذلك: مخضوبةٌ، ومدهونةٌ، وملعونٌ. وتأويلُ الرجيمِ: الملعونُ المشْتومُ. وكلُّ مَشْتومٍ بقولٍ رَديءٍ أو سبٍّ فهو مَرْجُومٌ. وأصلُ الرجمِ الرَّمْيُ، بقولٍ كان أو بفعلٍ. ومِن الرجمِ بالقولِ: قولُ أبي إبراهيمَ لإبراهيمَ صلواتُ اللَّهِ عليه: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ [مريم: ٤٦].

وقد يجوزُ أن يكونَ قيل للشيطانِ: رجيمٌ؛ لأن اللَّهَ جلّ ثناؤُه طرَدَه مِن سماواتِه، ورجَمه بالشُّهُبِ الثَّواقبِ.


(١) ديوانه ص ٢٥٦.
(٢) ديوانه ص ٦٤.
(٣) عكوته في الحديد والوثاق عكوا: شددته. اللسان (ع ك و).
(٤) في الديوان: "الأغلال"، وفي نسخة منه "الأكبال"، وهما بمعنى.
(٥) في ص، ت ١، ت ٢: "به".