للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثوبُ عليه حتى تَنَقَّضَ (١)، ثم مشى إلى جالوتَ، وكان جالوتُ من أجسمِ الناس وأشَدِّهم (٢)، فلما نظَر إلى داودَ قُذِف في قلبِه الرُّعْبُ منه، فقال له: يا فتى، ارجِعْ، فإنى أرحَمُك أن أقتُلَك. قال داودُ: لا، بل أنا أقتُلُك. فأخرَج الحجارةَ، فجعَلها في القَذَّافةِ، كلما رفَع حجرًا سمَّاه، فقال: هذا باسمِ أبى إبراهيمَ، والثانى باسمِ أبى إسحاقَ، والثالثُ باسمِ أبى إسرائيلَ. ثم أدار القَذَّافةَ، فعادَت الأحجارُ حَجَرًا واحدًا، ثم أرسَله فصَكَّ به بينَ عَيْنَى جالوتَ، فنَقَبت رأسَه فقتَله، ثم لم تَزَلْ تقتُلُ كلَّ إنسانٍ تُصِيبُه، تَنْفُذُ منه حتى لم يكُنْ بحيالِها أحدٌ، فهزَموهم عندَ ذلك، وقتَل داودُ جالوتَ، ورجَع طالوتُ، فأنكَح داودَ ابنتَه، وأجرَى خاتَمه في مُلْكِه، فمال الناسُ إلى داودَ فأحَبُّوه، فلما رأى ذلك طالوتُ وجَد في نفسِه وحسَده، فأراد قتْلَه، فعلِم به داودُ أنه يُريدُ به ذلك، فسَجَّى له زِقَّ (٣) خَمرٍ في مَضْجَعِه، فدَخَل طالوتُ إلى منامِ داودَ وقد هرَب داودُ، فضرَب الزِّقَّ ضرْبةً فخرَقه، فسالَت الخمرُ منه، فوقَعَت قطرةٌ من خمرٍ في فِيه، فقال: يَرحَمُ اللَّهُ داودَ، ما كان أكثرَ شربِه للخمرِ! ثم إن داودَ أتاه من القابلةِ في بيتِه وهو نائمٌ، فوضَع سهمَين عندَ رأسِه، وعندَ رجلَيه وعن يمينِه وعن شمالِه سهمَين (٤)، فلما استيقظ طالوتُ بَصُر بالسهامِ فعرَفها، فقال: يرحَمُ اللهُ داودَ، هو خيرٌ مِنِّي، ظَفِرتُ به فقتَلتُه، وظَفِر بى فكَفَّ عنى. ثم إنه ركِب يومًا فوجَده يمشى في البَرِّيَّةِ، وطالوتُ على فرسٍ، فقال طالوتُ: اليومَ أقتُلُ داودَ. وكان داودُ إذا فَزِع لا يُدرَكُ، فركَض على أثرِه طالوتُ، ففَزِع داودُ، فاشتدَّ، فدخَل غارًا، وأوحَى اللهُ إلى العنكبوتِ، فضرَبَت عليه بيتًا، فلما انتهى طالوتُ إلى الغارِ، نظَر إلى بناءِ العنكبوتِ،


(١) التَّنقُّض: صوت التشقق والتكسر.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أشدهم".
(٣) الزق: كل وعاء اتخذ للشراب وغيره. تاج العروس (ز ق ق).
(٤) بعده في التاريخ: "سهمين ثم نزل".