للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهِ﴾. على ما بطَن مِن مرادِه الذي هو محذوفٌ.

وذلك أن الباءَ مِن: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾. مُقْتَضِيةٌ فعلًا يكونُ لها جالبًا، ولا فعلَ معها ظاهرٌ، فأغْنَت سامعَ القائلِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾. معرفتُه بمرادِ قائلِه من إظهارِ قائلِ ذلك مُرادَه قولًا؛ إذ كان كلُّ ناطقٍ به عندَ افتتاحِه أمرًا قد أحْضَر مَنْطِقَه به - إمَّا معه، وإمَّا قبلَه بلا فصلٍ - ما قد أغْنَى سامِعَه مِن دَلالةٍ شاهدةٍ على الذي مِن أجلِه افْتَتَح قِيلَه به، فصار استغناءُ سامعِ ذلك منه عن إظهارِ ما حذَف منه، نظيرَ استغنائِه إذا سمِع قائلًا قيل له: ما أكَلْتَ اليومَ؟ فقال: طعامًا. عن أن يُكَرِّرَ المسئولُ مع قولِه: طعامًا: أكَلْتُ. لما قد ظهَر لديه مِن الدلالةِ على أن ذلك معناه بتقدُّمِ مسألةِ السائلِ إياه عما أكَل. فمعقولٌ إذن أن (١) القائلَ إذا قال: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. ثم افْتَتَح تاليًا سورةً، أن إتْباعَه: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. تلاوةَ السورةِ، مُنْبِئٌ (٢) عن معنى قولِه: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. ومفهومٌ به أنه مُرِيدٌ بذلك: أقْرَأُ بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ. وكذلك قولُه: باسمِ اللَّهِ. عندَ نُهوضِه للقيامِ أو عندَ قعودِه وسائرِ أفعالِه، يُنْبئُ (٣) عن معنى مرادِه بقولِه: باسمِ اللَّهِ. وأنه أراد بقِيلِه: باسمِ اللَّهِ: أقُومُ باسمِ اللَّهِ، وأقْعُدُ باسمِ اللَّهِ. وكذلك سائرُ الأفعالِ.

وهذا الذي قلْنا في تأويلِ ذلك هو معنى قولِ ابنِ عباسٍ الذي حدَّثنا به أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، قال: حدَّثنا أبو


(١) بعده في م: "قول".
(٢) في ص، ر، ت ١: "مبنى" وفي م: "ينبئ".
(٣) في ص: "يكنى". وفي ر: "تنبئ".