للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا أيُّها المائحُ (١) دَلْوِي دونَكا

إني رأيْتُ الناسَ يَحْمَدُونكا

فأغْرَى بـ "دونك" وهي مُؤخَّرةٌ، وإنما معناه: دونَك دلوِي. فكذلك قولُ لبيدٍ:

* إلى الحولِ ثم اسمُ السلامِ عليكما *

يعني: ثم (٢) عليكما اسمَ السلامِ. أي: الْزَما ذكرَ اللَّهِ، ودَعَا ذِكْرِي والوَجْدَ بي؛ لأن مَن بكَى حولًا على امرئٍ ميتٍ فقد اعْتَذَر. فهذا أحدُ وجهيه.

والوجهُ الآخرُ منهما: ثم تَسْمِيتي اللَّهَ عليكما. كما يقولُ القائلُ للشيءِ يَراه فيُعْجِبُه: اسمُ اللَّهِ عليك. يُعَوِّذُه بذلك مِن السُّوءِ، فكأنه قال: ثم اسمُ اللَّهِ عليكما مِن السُّوءِ. وكأنَّ الوجهَ الأولَ أشبهُ المعْنَيَيْن بقولِ لبيدٍ.

ويُقالُ لمن وجَّه بيتَ لبيدٍ هذا إلى أن معناه: ثم السلامُ عليكما. أتَرَى ما قلْنا مِن هذين الوجهَيْن جائزًا، أو أحدَهما، أو غيرَ ما قلتَ فيه؟ فإن قال: لا. أبان مِقْدارَه مِن العلمِ بتَصاريفِ وجوهِ كلامِ العربِ، وأغْنَى خَصمَه عن مناظرتِه. وإن قال: بلى. قيل له: فما بُرهانُك على صحةِ ما ادَّعَيْتَ مِن التأويلِ أنه الصوابُ دونَ الذي ذكَرْتُ أنه مُحْتَمِلُه مِن الوجهِ الذي يَلْزَمُنا تسليمُه لك؟ ولا سبيلَ إلى ذلك.

وأما الخبرُ الذي حدَّثنا إسماعيلُ بنُ الفضلِ، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بنُ العَلاءِ بنِ الضَّحّاكِ [وهو يُلَقَّبُ بِزِبْرِيقٍ] (٣)، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ، عن إسماعيلَ بنِ


(١) المائح: الرجل ينزل إلى قرار البئر إذا قل ماؤها، فيملأ الدلو بيده ويميح أصحابه. اللسان (م ي ح) والرجز فيه.
(٢) زيادة من: ر.
(٣) سقط من: م، ت ٢، وفي ر، ت ١: "وهو يلقب بابن برفق"، والمثبت من: ص. وينظر تهذيب الكمال ٢/ ١٦١، وتفسير ابن كثير ١/ ٣٣، ونزهة الألباب للحافظ ١/ ٣٣٨.