للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: على أيِّ وجهٍ يُحْيِي هذه اللَّهُ بعدَ خرابِها فيَعْمُرُها؟ استنكارًا - فيما قاله بعضُ أهلِ التأويلِ - فأراه اللَّهُ كيفيةَ إحيائِه ذلك، بمثَلٍ (١) ضرَبه له في نفسِه، وفيما كان [مِن إداوَتِه] (٢) وطعامِه، ثم عرَّفه قدرتَه على ذلك وعلى غيرِه، [بإظهارِ إحيائِه] (٣) ما كان عجبًا عندَه في قدرةِ اللَّهِ إحياؤُه لرأْيِ عينِه، حتى أبصَرَه ببصرِه، فلمّا رأَى ذلك، قال: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

وكان سببَ قِيلِه ذلك كالذى حدَّثني به ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عمَّن لا يُتَّهمُ، عن وهْبِ بن مُنَبِّهٍ اليمانيِّ أنه كان يَقُولُ: قال اللَّهُ لإرْمِيَا حينَ بعَثه نبيًّا إلى بني إسرائيلَ: يا إِرْمِيَا، مِن قبلِ أَن أَخْلُقَكَ اخْتَرْتُك، ومِن قبلِ أن أُصَوِّرَك في رَحِم أُمِّك قدَّسْتُك، ومِن قبلِ أن أُخْرِجَك مِن بطنِها طَهَّرْتُكَ، ومِن قبلِ أن تَبْلُغَ السعىَ نَبَّيْتُك (٤)، ومِن قبلِ أن تَبْلُغَ الأشُدَّ اختَرتُك (٥)، ولأمرٍ عظيمٍ اجْتَبَيْتُك. فبعَث اللَّهُ إِرْمِيَا إلى ملِكِ بني إسرائيلَ، يسدِدُه ويُرْشِدُه، ويأتيه بالخبرِ مِن اللَّهِ فيما بينَه وبينَه.

قال: ثم عَظُمت الأحداثُ في بنى إسرائيلَ، وركِبوا المعاصيَ، واستحَلُّوا المحارمَ، ونسُوا ما كان اللَّهُ صنَع بهم، وما نجّاهم مِن عدوِّهم سَنْحاريبَ، فأوحَى اللَّهُ ﷿ إلى إرميا: أنِ ائْتِ قومَك مِن بني إسرائيلَ، فاقْصُصْ عليهم ما آمُرُك به، وذَكِّرْهم نعمتى عليهم وعَرِفْهم إحداثَهم.


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، ص: "بما".
(٢) في الأصل: "من أدواته"، وفى م: "من شرابه"، وفى س: "مرادا به". والإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء. اللسان (أ د و).
(٣) في م: "بإظهاره إحياء".
(٤) في م: "نبأتك": ونبيتك: جعلتك نبيا.
(٥) في التاريخ: "اختبرتك".