للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جُزْءًا﴾: فخالفَ إبراهيمُ بين قوائمِهنَّ وأجنحتِهنَّ.

وأَوْلَى التأويلات بالآيةِ ما قاله مجاهدٌ، وهو أن اللَّهَ أمَر إبراهيمَ بتفريقِ أعضاءِ الأطيارِ الأربعةِ - بعد تقطيعِه إيّاهنَّ - على جميعِ الأَجْبالِ التي كان يَصِلُ إبراهيمُ في وقتِ تكليفِ اللهِ إيّاه تفريقَ ذلك وتبديدَها عليها أجزاءً؛ لأن اللَّهَ تعالى ذكرُه قال له: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾. و "الكُلُّ" حرفٌ يدلُّ على الإحاطةِ بما أُضِيفَ إليه، [والجبلُ لفظُه لفظُ] (١) واحدٍ ومعناه الجمعُ. فإذ كان ذلك كذلك، فلن يجوزَ أن تكونَ الجبالُ التي أُمِرَ إبراهيمُ بتفريقِ أجزاءِ الأطيارِ الأربعةِ عليها خارجةً من أحدٍ معنيَين: إمّا أن تكونَ بعضًا أو جميعًا، فإن كانت بعضًا فغيرُ جائزٍ أن يكونَ ذلك البعضُ إلا ما كان لإبراهيمَ السبيلُ إلى تفريقِ أعضاء الأطيارِ الأربعةِ عليه، أو يكونَ جميعًا، فيكونَ أيضًا كذلك، وقد أخبرَ الله تعالى ذكرُه أنه أمَره بأن يجعلَ ذلك على كلِّ جبلٍ، وذلك إما كلُّ جبلٍ قد (٢) عرَفهنَّ إبراهيمُ بأعيانِهنَّ، وإما كلُّ (٣) ما في الأرضِ من الجبالِ.

فأما قولُ مَن قال: إن ذلك أربعةُ أَجْبُلٍ. وقولُ مَن قال: هنَّ سبعةٌ. فلا دلالةَ عندَنا على صحةِ شيءٍ من ذلك فنَسْتَجِيزَ القولَ به، وإنما أمَر اللَّهُ جلّ ثناؤُه إبراهيمَ أن يجعَلَ الأطيارَ الأربعةَ أجزاءً مُفَرَّقةً على كلِّ جبلٍ؛ ليُرِىَ جلّ ثناؤُه إبراهيمَ قدرتَه على جمعِ أجزائهنَّ وهُنَّ متفرِّقاتٌ متبدِّداتٌ في أماكنَ مختلفةٍ شَتَّى، حتى يُؤَلِّفَ بعضَهن إلى بعضٍ، فيَعُدْنَ كهيئتِهنَّ قبلَ تقطيعِهنَّ وتمزِيقِهنَّ، وقبلَ تفريقِ أجزائِهنَّ على الجبالِ، أطيارًا أحياءً يَطِرْنَ، فيَطمَئِنَّ قلبُ إبراهيمَ، ويعلَمَ


(١) في ص، ت ٢: "لفظ"، وفى م، ت ١: "لفظه".
(٢) في م: "وقد".
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.