للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَدَقَاتِكُمْ﴾ يقولُ: لا تُبْطِلُوا أجورَ صدَقاتِكم بالمنِّ والأذَى، كما أَبطل كفرُ الذي يُنْفِقُ مالَه رِئَاءَ الناسِ، وهو مراءاتُه إيَّاهم بعملِه، وذلك أَن يُنْفِقَ مالَه فيما يَرَى الناسُ في الظاهرِ أنه يُريدُ اللَّهَ به، فيَحْمَدُوه عليه، وهو [غيرُ مريدٍ به الله] (١)، ولا طالبٌ منه الثوابَ، وإنما يُنْفِقُه كذلك ظاهرًا؛ ليَحْمَدَه الناسُ عليه، فيقولوا: هو سَخِيٌّ كريمٌ، وهو رجلٌ صالحٌ. فيُحْسِنُوا عليه به الثناءَ، وهم لا يعَلَمون ما هو مُستبطِنٌ من النيةِ في إنفاقِه ما أَنفقَ، ولا يَدْرُون ما هو عليه من التكذيبِ باللَّهِ واليومِ الآخرِ.

وأما قولُه: ﴿وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾. فإن معناه: ولا يُصدِّقُ بوحدانيةِ اللَّهِ وربُوبيتِه، ولا بأنه مبعوثٌ بعد مماتِه فمُجازًى على عملِه، فيَجعلَ نفقتَه (٢) لوجهِ اللَّهِ جلّ ثناؤه، وطلبِ ثوابِه وما عندَه في معادِه، وهذه صفةُ المنافقِ، وإنما قلْنا: إنه منافقٌ. لأن المُظْهِرَ كفرَه والمُعْلِنَ شِرْكَه، معلومٌ أنه لا يكونُ بشيءٍ من أعمالِه مُرائيًا؛ لأن المُرائىَ هو الذي يُرائِى الناسَ بالعملِ الذي هو في الظاهرِ للَّهِ، وفى الباطنِ [من نِيَّةِ] (٣) عاملِه مرادٌ (٤) به حمدُ الناسِ عليه، والكافرُ لا يخِيلُ على أحدٍ أمرُه، أَنَّ أفعالَه كلَّها إنَّما هي للشيطانِ - إذا كان معلنًا كفرَه - لا للَّهِ، ومَن كان كذلك فغيرُ كائنٍ مرائيًا بأعمالِه.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) في ص، م: "وهو مريد به غير الله".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢: "عمله".
(٣) سقط من: م.
(٤) في م: "مراده".