للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجاهدٍ، عن ابن عباسٍ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾. قال: نزَلت في الدَّيْنِ (١).

والصوابُ من القولِ في قولهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾. أنه يَعْنى به غُرَماءَ الذين كانوا أسْلَموا على عهدِ رسولِ اللهِ ، ولهم عليهم ديونٌ قد أربَوا فيها في الجاهليةِ، فأدركهم الإسلامُ قبلَ أن يَقْبِضوها منهم، فأمَر اللهُ بوضعِ ما بَقِى من الربا بعدَ ما أسْلَموا، واقتضاءِ (٢) رءوسِ أموالِهم ممن كان منهم مِن غُرَمائِهم مُوسِرًا، وإنظارِ مَن كان منهم مُعْسِرًا برءوسِ أموالِهم إلى ميسرتِهم، فذلك حكمُ كلِّ مَن أَسْلَم وله ربًا قد أَرْبَى على غريمٍ له، فإن إسلامَه يُبْطِلُ عن غريمِه ما كان له عليه مِن قبلِ الربا - ويُلْزِمُه أداءَ رأسِ مالِه الذي كان أخَذ منه، أو لزِمه من قبلِ الإرباءِ - إليه إن كان مُوسرًا، وإن كان معسرًا كان مُنْظَرًا برأسِ مالِ صاحبِه إلى ميسرتِه، وكان الفضلُ على رأسِ المالِ مُبْطَلًا عنه، غيرَ أن الآيةَ وإن كانت نزَلت في من ذكَرْنا، وإيَّاهم عنَى بها، فإن الحكمَ الذي حكَم اللهُ به في إنظارِ المعسِرِ برأسِ مالِ المُرْبى بعد بُطولِ الربا عنه حكمٌ واجبٌ لكلِّ مَن كان عليه دَيْنٌ لرجلٍ قد حلَّ عليه، وهو بقضائِه معسرٌ، في أنه به مُنْظَرٌ إلى ميسرتِه؛ ولأن دَيْنَ كلِّ ذى دَينٍ في مالِ غريمهِ، وعلى غريمه قضاؤُه منه، لا في رقبتِه، فإذا عُدِم مالُه، فلا سبيلَ على رقبتِه بحبسٍ ولا بيعٍ، وذلك أن مالَ رَبِّ الدَّينِ لن يَخْلُوَ من أحدِ وجوهٍ ثلاثةٍ؛ إِمَّا أَن يكونَ في رقبةِ غريمِه، أو في ذمتِه يَقْبِضُه (٣) من مالِه، أو في مالٍ له بعينِه؛ فإن يكنْ في مالٍ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٢/ ٥٥٢) (٢٩٣٤) من طريق ابن فضيل به، وأخرجه سعيد بن منصور (٤٥٤ - تفسير) من طريق يزيد بن أبي زياد به وعندهما بلفظ: الربا. وينظر الدر المنثور (١/ ٣٦٨) فقد عزاه إلى ثلاثتهم بلفظ: الربا.
(٢) في م: "بقبض".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢: "يقضيه".