للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجهلُ (١).

وقد يَدْخُلُ في قولِه: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا﴾ كلُّ جاهلٍ بصوابِ ما يُمِلُّ من خطئِه، من صغيرٍ وكبيرٍ، وذكَرٍ وأنثى. غيرَ أن الذي هو أوْلَى بظاهرِ الآيةِ أن يكونَ مرادًا بها كلُّ جاهلٍ بموضعٍ خطأَ ما يُمِلُّ وصوابِه، مِن بالِغِى الرجالِ الذين لا يُوَلَّى عليهم، والنساءِ؛ لأنه جل ذكرُه ابْتَدأ الآيةَ بقولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾. والصبيُّ ومَن يُوَلَّى عليه لا يجوزُ مداينتُه، وأن الله ﷿ قد اسْتَثنى مِن الذين أمَرهم بإملالِ كتابِ الدَّينِ معَ السفيهِ الضعيفَ ومَن لا يستطيعُ إملالَه، ففى فصلِه جلّ ثناؤه الضعيفَ مِن السفيهِ ومَن لا يستطيعُ إملالَ الكتابِ، [في الصفةِ] (٢) التي وصَف بها كلَّ واحدٍ منهم - ما أَنْبَأ عن أن كلَّ واحدٍ من الأصنافِ الثلاثةِ الذين بيَّن صفاتِهم، غيرُ الصنفينِ الآخَرينِ.

وإذا كان ذلك كذلك، كان معلومًا أن الموصوفَ بالسَّفَهِ منهم دونَ الضعفِ، هو ذو القُوَّةِ على الإملالِ، غيرَ أنه وُضِع عنه فرضُ الإملالِ بجهلِه بموضعِ صوابِ ذلك مِن خطئِه، وأن الموصوفَ بالضعفِ منهم، هو العاجزُ عن إملالِه، وإن كان سديدًا (٣) رشيدًا، إما لعِيِّ لسانِه أو خَرَسٍ به، وأن الموصوفَ بأنه لا يستطيعُ أن يُملَّ، هو الممنوعُ من إملالِه، إمَّا بالحبسِ الذي لا يَقْدِرُ معَه على حضورِ الكاتبِ الذي يَكْتُبُ الكتابَ فيُمِلُّ عليه، وإِمَّا لغَيْبتِه عن موضعِ الإملالِ، فهو غيرُ قادرٍ مِن أجلِ غَيبتِه عن إملالِ الكتابِ، فوضَع اللهُ ﷿ عنهم فرضَ إملالِ ذلك؛ للعللِ التي وصَفنا إذا كانت بهم، وعذَرهم بتركِ الإملالِ من أجلِها، وأمَر عندَ سقوطِ فرضِ ذلك عنهم (٤) وليَّ الحقِّ بإملالِه، فقال: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٣٠٢، ٢/ ٦١٥.
(٢) زيادة من: م.
(٣) في ص، م، ت ٢، س: "شديدا".
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، س: "عليهم".