للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكَرنا قولَ مَن قال: هذا الحكمُ مِن اللَّهِ ناسخُ الأحكامِ التي في الآيةِ قبلَها، مِن أمرِ اللَّهِ بالشهودِ والكتابِ، ودلَّلنا على أولى ذلك بالصوابِ مِن القولِ فيه، فأغنى ذلك عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).

وقد حدَّثني يحيى بنُ أبي طالبٍ، قال: أخبَرنا يزيدُ، قال: أخبَرنا جُوَيبرٌ، عن الضحاكِ في قولِه: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾: إِنما يعنى بذلك في السَّفَرِ، فأما الحضَرُ، فلا، وهو واجدٌ كاتبًا، فليس له أن يَرْتَهِنَ ولا يَأْمَنَ بعضُهم بعضًا.

وهذا الذي قاله الضحاكُ مِن أنه ليس لربِّ الدَّينِ ائتمانُ المدينِ وهو واجدٌ إلى الكاتبِ والكتابِ والإشهادِ عليه سبيلًا، وإن كانا في سَفَرٍ، فكما قال؛ لما قد دلَّلنا على صحتِه فيما مضَى قبلُ.

وأما ما قال، مِن أنّ الأمرَ في الرَّهن أيضًا كذلك مثلُ الائتمانِ، في أنه ليس لربِّ الحقِّ الارتهانُ بمالِه إذا وجَد إلى الكاتبِ والشهيدِ سبيلًا في حضَرٍ أو سفرٍ - فإنه قولٌ لا معنى له؛ لصحةِ الخبرِ عن رسولِ اللَّهِ أنه اشترَى طعامًا نَساءً، ورهَن به دِرْعًا له (٢). فجائزٌ للرجلِ أن يَرْهَنَ (٣) بما عليه، ويَرْتَهِنَ بما لَهُ مِن حقٍّ في السفرِ والحضَرِ؛ لصحة الخير بما ذكَرنا عن رسولِ اللَّهِ ، وأن معلومًا أن النبيَّ لم يكنْ حينَ رهَن ما (٤) ذكَرنا غيرَ واجدٍ كاتبًا ولا شهيدًا؛ لأنه لم يكنْ مُتَعذِّرًا عليه ما بمدينتِه في وقتٍ مِن الأوقاتِ الكاتبُ والشاهدُ، غيرَ أنهما إذا تبايعا برَهْنٍ، فالواجبُ


(١) ينظر ما تقدم في ص ٧٣ - ٨١.
(٢) أخرجه البخارى (٢٠٦٨، ٢٠٩٦، ٢٢٠٠)، ومسلم (١٦٠٣).
(٣) في ص، ت ١، س: "يرتهن".
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "من".