للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في السماواتِ وما في الأرضِ، مِن صغيرٍ وكبيرٍ، [وقليلٍ وكثيرٍ] (١)، وإليه تدبيرُ جميعِه، وبيدِه صَرْفُه وتَقْلِيبُه، لا يَخْفَى عليه منه شيءٌ؛ لأنه مدبرُه ومالكُه ومصرِّفُه.

وإنما عنى بذلك جلَّ ثناؤُه كِتمانَ الشهودِ الشهادةَ، يقولُ: لا تَكْتُموا الشهادةَ أيُّها الشُّهودُ، فإنه مَن يَكْتُمُها يَفْجُرْ قلبُه، ولن يَخْفَى عليَّ كِتمانُه ذلك؛ لأنى بكلِّ شيءٍ عليمٌ، وبيَدى صرفُ كلِّ شيءٍ في السماواتِ والأرضِ وملْكُه، أعلمُ (٢) خفيَّ ذلك وجَليَّه، فاتقوا عقابي إياكم على كتمانكم الشهادةَ. وعيدًا مِن اللَّهِ بذلك مَن كتَمها، وتخويفًا منه له به.

ثم أخبَرهم عما هو فاعلٌ بهم في آخرتِهم، وبمَن كان مِن نُظَرائِهم ممن انْطَوى كَشْحًا على معصيةٍ فأضمَرَها، أو أظهَر مُوبِقةً فأبداها مِن نفسِه، مِن المحاسبةِ عليها، فقال: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾. يقولُ: وإِن تُظهِرُوا فيما عندَكم مِن الشهادةِ على حقِّ ربِّ المالِ الجحودَ والإنكارَ، أو تُخْفوا ذلك فتُضْمِروه في أنفسِكم، وغيرَ ذلك مِن سيِّئ أعمالكم، ﴿يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ﴾. يَعْنى بذلك: يَحْتَسبْ به عليه مِن أعمالِه، فمجازٍ مِن شاء منكم مِن المسيئين سوءَ عملِه، وغافرٌ لمن شَاء منكم مِن المسيئين.

ثم اختلَف أهلُ التأويلِ فيما عنَى بقولِه: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾؛ فقال بعضُهم بما قلنا، مِن أنه عنى به الشهودَ في كِتمانِهم الشهادةَ، وأنه لاحقٌ بهم كلُّ مَن كان مِن نُظرائِهم ممن أضْمَر معصيةً أو أبداها.


(١) سقط مِن: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت، س: "أعلمه".