للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى بذلك جل ثناؤُه: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا فيَتَعَبَّدُها إلا بما يَسَعُها، فلا يُضَيِّقُ عليها ولا يَجْهَدُها.

وقد بيَّنا فيما مضَى قبلُ أن الوُسْعَ اسمٌ مِن قولِ القائلِ: وَسِعنى هذا الأمرُ (١). مثلُ الجُهْدِ والوُجْدِ، مِن: جَهَدنى هذا الأمرُ، ووجَدْتُ منه.

كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾. قال: هم المؤمنون، وسَّع اللهُ عليهم أمرَ دينِهم، فقال اللهُ جل ثناؤُه: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]. وقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]. وقالَ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (٢) [التغابن: ١٦].

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ، عن الزهريِّ، عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ، قال: لما نزَلَت ضجَّ المؤمنون منها ضجةً، وقالوا: يا رسولَ اللهِ، هذا نَتوبُ من عملِ اليدِ والرِّجْلِ واللسانِ، فكيف نتوبُ مِن الوَسْوسةِ؟ كيف نَمْتَنِعُ منها؟ فجاء جبريلُ بهذه الآيةِ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾. إنكم لا تَسْتَطِيعون أن تَمْتَنِعوا مِن الوَسْوسةِ (٣).

حدَّثني موسى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾: ووسعُها طاقتُها، فكان حديثُ النفسِ مما لم يُطِيقوا (٤).


(١) ينظر ما تقدم في ٤/ ٢١٣.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٥٧٧ (٣٠٨٠) من طريق عبد الله بن صالح به.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٧٦ إلى المصنف وابن المنذر.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٥٧٨ عقب الأثر (٣٠٨٤) من طريق عمرو بن حماد به.