للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبوه يا محمدُ؟ فصمَت رسولُ اللهِ عنهما فلم يُجِبْهما، فأنزل اللهُ في ذلك من قولِهم، واختلافِ أمرِهم كلِّه، صدرَ سورةِ "آلِ عمرانَ" إلى بضْعٍ وثمانين آيةً منها، فقال: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾. فافتتح السورةَ بتَبْرِئتِه (١) نفسَه مما قالوا، وتوحيدِه إيّاها بالخلقِ والأمرِ، لا شريكَ له فيه؛ ردًّا عليهم ما ابتدَعوا من الكفرِ، وجعَلوا معه من الأندادِ، واحتجاجًا عليهم بقولِهم في صاحبِهم، ليُعَرِّفَهم بذلك ضَلالتَهم، فقال: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي ليس معه شريكٌ في أمرِه (٢).

حدَّثني المثنَّى، قال: حدَّثنا إسحاقُ، قال: حدَّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرَّبيع في قولِه: ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾. قال: إن النَّصارَى أتَوْا رسولَ اللهِ فخاصَمُوه في عيسى ابن مريمَ، وقالوا له: من أبوه؟ وقالوا على اللهِ الكَذِبَ والبُهْتانَ - لا إلهَ إلا هو، لم يَتَّخِذْ صاحبةً ولا ولدًا - فقال لهم النبيُّ : "ألستُم تَعْلَمُون أنَّه لا يكونُ وَلَدٌ إلا وهو يُشْبِهُ أباه؟ ". قالوا: بلى. قال: "ألستُم تَعْلَمُونَ أَنَّ ربَّنا حيٌّ لا يموتُ، وأنَّ عيسى يأتى عليه الفناءُ؟ ". قالوا: بلى. قال: "ألستُم تَعْلَمُون أَنَّ ربَّنا قَيِّمٌ على كلِّ شيءٍ، يَكْلَؤُه ويَحْفَظُه ويَرْزُقُه؟ ". قالوا: بلى. قال: "فهل يَمْلِكُ عيسى من ذلك شيئًا؟ ". قالوا: لا. قال: "أفلستُم تَعْلَمُونَ أَنَّ الله ﷿ لا يَخْفَى عليه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ؟ ". قالوا: بلى. قال: "فهل يعلَمُ عيسى من ذلك شيئًا إلا ما عُلِّمَ؟ ". قالوا: لا. قال: "فَإِنَّ رَبَّنَا صَوَّرَ عيسى في الرَّحِمِ كيف شاء" (٣). قال: "ألستُم تَعْلَمون أنَّ ربَّنَا لا يَأْكُلُ الطعامَ، ولا يَشْرَبُ


(١) في: م: "بتبرئة". وفى س، والسيرة: "بتنزيه".
(٢) سيرة ابن هشام ١/ ٥٧٣ - ٥٧٦، وأخرجه البيهقى في الدلائل ٥/ ٣٨٢ من طريق يونس، عن ابن إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣ إلى ابن المنذر. وسيذكر المصنف بقيته مفرقة فيما سيأتي.
(٣) بعده في م: "فهل تعلمون ذلك؟ قالوا: بلى".