للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى ذكرُه نفسَه بأنَّه القائمُ بأمرِ كلِّ شيءٍ في رَزْقه والدفْعِ عنه، وكِلائِه وتدبيرِه، وصَرْفِه في قدرتِه، مِن قولِ العربِ: فلانٌ قائمٌ بأمرِ هذه البلدةِ. تَعْنى بذلك: المتُوَلِّى تدبيرَ أمرها. فـ "القيُّومُ" - إذ كان ذلك معناه - "الفَيْعُولُ"، من قولِ القائلِ: اللهُ يقومُ بأمرِ خلقِه. وأصلُه "القَيْوُومُ"، غير أنَّ الواوَ الأولى من "القَيْوُومِ"، لما سبَقتْها ياءٌ ساكنةٌ وهى متحرِّكةٌ، قُلِبَتْ ياءً، فجُعِلَتْ هي والياءُ التي قبلَها ياءً مشدّدةً؛ لأن العرب كذلك تفعَلُ بالواوِ المتحرِّكةِ إذا تقدَّمَتْها ياءٌ ساكنةٌ.

وأما "القَيّامُ"، فإن أصلَه "القيوامُ"، وهو "الفَيْعَالُ"، مِن: قام يقومُ، سَبَقت الواو المتحرِّكةَ مِن "قَيْوامٍ" ياءٌ ساكنةٌ، فجُعِلَنا جميعًا ياءً مشدّدةً.

ولو أنَّ القَيُّومَ "فَعُولٌ"، كان "القَيُّومَ"، ولكنَّه "الفَيْعُولُ". وكذلك "القَيَّامُ "لو كان "الفَعَّال" لكان "القَوَّامَ"، كما قيل: الصَّوامُ والقَوَّامُ. وكما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٨]. ولكنَّه "الفَيْعالُ"، فقال: القَيَّامُ.

وأمَّا "القَيِّمُ" فهو "الفَيْعِلُ"، من: قامَ يقومُ، سَبَقَت الواوَ المتحرِّكةَ ياءٌ ساكنةٌ، فجُعِلَتا ياءً مُشدَّدةً، كما قيل: فلانٌ سيِّدُ قومِه. من: سادَ يَسُودُ، وهذا طعامٌ جيِّدٌ، من: جادَ يجودُ، وما أشبهَ ذلك.

وإنما جاء ذلك بهذه الألفاظِ؛ لأنه قصَد به قَصْدَ المبالغةِ في المدحِ، فكان "القَيُّومُ" و "القَيَّامُ" و "القَيِّمُ" أبلغَ في المدحِ من القائمِ. وإنما كان عمرُ يختارُ قراءته، إن شاء اللهُ: "القَيَّام"؛ لأن ذلك الغالبُ على مَنطِقِ أهلِ الحجازِ، في ذواتِ الثلاثةِ من الياءِ والواوِ، فيقولون للرجلِ الصَّوّاغِ: الصَّيَّاغُ. ويقولون للرجلِ الكثيرِ الدَّوَرانِ: الدَّيَّارُ. وقد قيل: إن قول الله جلَّ ثناؤُه: ﴿لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦]. إنما هو: "دَوَّارًا"، "فَعَّالا"، مِن: دارَ