للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمُحْكَماتِ من آيِ كتابِه.

وهذه الآيةُ وإن كانت نزَلَتْ في من ذكَرْنا أنّها نزَلَتْ فيه مِن أهلِ الشِّرْكِ، فإنه معنيٌّ بها كلُّ مُبتدعٍ في دينِ اللهِ بدعةً، فمالَ قلبُه إليها، تأويلًا منه لبعضِ متشابِهِ آيِ القرآنِ، ثم حاجَّ به وجادَل به أهل الحقِّ، وعدَلَ عن الواضحِ من أدلَّةِ آيِه المُحْكَماتِ؛ إرادةً منه بذلك اللَّبْسَ على أهلِ الحقِّ من المؤمنين، وطلبًا لعِلْمِ تأويلِ ما تشابَهَ عليه مِن ذلك، كائنًا مَن كان، وأيَّ أصنافِ البَدَعة (١) كان؛ من أهلِ النصرانيةِ كان، أو اليهوديّةِ، أو المجوسيّةِ، أو كان سَبَئِيًّا، أو حَرُورِيًّا، أو قَدَريًّا، أو جَهْمِيًّا، كالذي قال : "فإذا رأيتُم الذين يُجادِلون به، فهم الذين عَنَى اللهُ فاحْذَروهم".

وكما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا سفيانُ، عن مَعْمَرٍ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، وذُكِر عندَه الخوارجُ وما يَلْقَون عندَ القرآنِ (٢)، فقال: يُؤْمِنون بمُحْكَمِه، ويَهْلِكُون عندَ متشابِهِه. وقرَأ ابن عباسٍ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ الآية (٣).

وإنما قلْنا القولَ الذي ذكَرْنا أنَّه أَوْلَى التأويلَين بقولِه: ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾؛ لأنَّ الذين نزَلتْ فيهم هذه الآيةُ كانوا أهلَ شِرْكٍ، وإنما أرادوا بطلبِ تأويلِ ما طلبوا تأويلَه - اللَّبْسَ على المسلِمين، والاحتجاجَ به عليهم، ليَصُدُّوهم عمّا هم عليه من الحقِّ، فلا معنَى لأَنْ يُقالَ: فعلوا ذلك إرادةَ الشِّرْكِ. وهم قد


(١) البَدَعَةُ، فَعَلَةٌ: المبتدعة.
(٢) في النسخ: "الفرار". والمثبت من مصادر التخريج.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة ١٥/ ٣١٣، والآجرى في الشريعة (٤٥) من طريق سفيان به.