للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعنى بذلك جل ثناؤُه: شهِد اللهُ أنه لا إلهَ إلا هو، وشهِدَت الملائكةُ، وأولو العلمِ.

فالملائكةُ معطوفٌ بهم على اسمِ اللهِ، و ﴿أَنَّهُ﴾ مَفتوحةٌ بـ ﴿شَهِدَ﴾.

وكان بعضُ البصرِيين (١) يَتَأَوَّلُ قولَه: ﴿وشَهِدَ اللهُ﴾: قضَى اللهُ، ويَرْفَعُ الملائكةَ بمعنى: والملائكةُ شهودٌ وأولو العلمِ.

وهكذا قرَأت قرأةُ أهلِ الإسلامِ بفتحِ الألفِ مِن ﴿أَنَّهُ﴾ على ما ذكَرْتُ مِن إعمالِ و ﴿شَهِدَ﴾ في ﴿أَنَّهُ﴾ الأُولى، وكسرِ الألفِ مِن ﴿إِنَّ﴾ الثانيةِ وابتدائِها. سوى أن بعضَ المتأخرين مِن أهلِ العربيةِ كان يَقْرَأُ ذلك جميعًا بفتحِ ألفَيْهما (٢)، بمعنى: شهِد اللهُ أنه لا إلهَ إلا هو وأن الدينَ عندَ اللَّهِ الإسلامُ. فعَطف بـ "أن الدينَ" على ﴿أَنَّهُ﴾ الأُولى، ثم حذَف واوَ العطفِ وهي مُرادةٌ في الكلامِ. واحْتَجَّ في ذلك بأن ابنَ عباسٍ قرَأ ذلك: (شهِد اللهُ إنه لا إلهَ إلا هو) الآية. ثم قال: (أن الدِّينَ). بكسرِ "إن" الأولى، وفتحِ "أن" الثانيةِ بإعمالِ ﴿شَهِدَ﴾ فيها، وجعْلِ "إن" الأُولى اعْتِراضًا في الكلامِ، غيرَ عاملٍ فيها ﴿شَهِدَ﴾، وأن ابنَ مسعودٍ قرَأ: (شهِد اللهُ أن (٣) لا إلهَ إلا هو) بفتحِ "أن"، وكسرِ "إن"، مِن: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ على معنى إعمالِ الشهادةِ في "أن" الأولى، و "إن" الثانيةُ مُبْتَدَأَةٌ. فرعَم أنه أراد بقراءتِه إياهما بالفتحِ جمعَ قراءةِ ابن عباسِ وابنِ مسعودِ. فخالَف بقراءتِه ما قرَأ مِن ذلك على ما وصَفْتُ، جميعَ قرأةِ أهلِ الإسلامِ المتقدمين


(١) يعنى أبا عبيدة في مجاز القرآن (١/ ٨٩). وسيردُّ المصنف قوله فيما بعد.
(٢) هو الكسائي، ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٢٠٢ - ٢٠٣.
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أنه". وينظر البحر المحيط (٢/ ٤٠٣). وعزا السيوطي في الدر المنثور (٢/ ١٢) هذه القراءة إلى أبى بكر بن أبى داود في المصاحف، وفى المصاحف ص ٥٩: "أنه". خطأ.