للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوجهُ الثاني: أن تكونَ "إن" الأولى مَكْسورةً بمعنى الابتداءِ؛ لأنها مُعْتَرَضٌ بها، والشهادةُ واقعةٌ على "أن" الثانيةِ. فيَكونُ معنى الكلامِ: شهِد اللهُ - فإنه لا إلهَ إلا هو - والملائكةُ أن الدينَ عندَ اللهِ الإسلامُ. كقولِ القائلِ: أَشْهَدُ - فإنى مُحِقٌّ - أنك مما تُعابُ به بَرِئٌ. فـ "إن" الأولى مَكسورةً؛ لأنها مُعْتَرِضةٌ، والشهادةَ واقعةٌ على "أن" الثانيةِ.

وأما قولُه: ﴿قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾. فإنه بمعنَى أنه الذي يَلِى العَدْلَ (١) بيَن خلقِه (٢).

والقِسْطُ هو العدْلُ، مِن قولِهم: هو مُقْسِطٌ، وقد أَقْسَط، إذا عدَل.

ونُصِب ﴿قَائِمًا﴾ على القطعِ.

وكان بعضُ نحويى أهلِ البصرةِ يَزْعُمُ أنه حالٌ مِن "هو" التي في: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾.

وكان بعضُ نحويى الكوفةِ يَزْعُمُ أنه حالٌ مِن اسمِ "الله" الذي مع قولِه: ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾ فكان معناه: شهِد اللهُ القائمُ (٢) بالقِسْطِ أَنه لا إله إلا هو. وقد ذُكِر أنها في قراءةِ ابن مسعودٍ كذلك: (وأولو العلمِ القائمُ بالقِسْطِ) ثم حُذِفَت الألفُ واللامُ مِن القائمِ، فصار نكرةً، وهو نعتٌ لمعرفةٍ فنُصِب (٣).

وأولى القولين بالصوابِ في ذلك عندى قولُ مَن جَعَله قَطْعًا على أنه مِن نعتِ اللهِ جل ثناؤُه؛ لأن الملائكةَ وأُولى العلمِ مَعْطُوفون عليه، فكذلك الصحيحُ أن يكونَ قولُه: ﴿قَائِمًا﴾ حالًا منه.

وأما تأويلُ قولِه: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فإنه نفْىٌ أن يَكونَ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "القسط".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "العالم".
(٣) ينظر معاني القرآن للفراء (١/ ٢٠٠).