للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلمِ، قال: فَدَعا زكريا عندِ ذلك بعد ما أسَنَّ، ولا ولدَ له، وقد انْقَرَض أهلُ بيتِه، فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾. ثم شَكا إلى رَبِّه، فقال: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ إلى ﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾. ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾ الآية.

وأما قولُه: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾. فإنه يعنى بالذُّرِّيَّةِ النَّسلَ، وبالطَّيبةِ المباركةَ.

كما حدَّثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ: ﴿قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾. يقولُ: مباركةً (١).

وأما قوله: ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾. فإنه يعنى: مِن عندِك.

وأما الذُّرِّيةُ، فإنها جَمْعٌ، وقد تكون في معنى واحدٍ (٢)، وهي في هذا الموضعِ واحدٍ (٢). وذلك أن الله ﷿ قال في موضعٍ آخَرَ مُخْبِرًا عن دعاءِ زكريا: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾ [مريم: ٥]. ولم يَقُلْ: أولياءَ. فدلَّ على أنه سأل واحدًا، وإنما أَنَّثَ ﴿طَيِّبَةً﴾ لتأنيثِ الذُّرِّيةِ، كما قال الشاعرُ (٣):

أبوك خَلِيفةٌ وَلَدَتْه أُخْرى … وأنت خَلِيفَةٌ ذاكَ الكَمالُ

فقال: وَلَدَتْه أُخْرَى. فأَنَّث وهو ذكرٌ؛ لتأنيث لفظ "الخليفة"، كما قال الآخر (٤):


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٤١ (٣٤٥١) من طريق عمرو به.
(٢) في م: "الواحد".
(٣) معاني القرآن للفراء ١/ ٢٠٨، واللسان (ف ل ح، خ ل ف).
(٤) معاني القرآن للفراء ١/ ٢٠٨، واللسان (س ك ت).