للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السُّفُن. وإنما رَكِب سفينةً واحدةً، وكما يقالُ: ممن سمِعْتَ هذا الخبرَ؟ فيقالُ: من الناسِ. وإنما سَمِعه من رجلٍ واحدٍ. وقد قيل: إن منه قولَه: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣]. والقائلُ كان فيما ذُكِر واحدًا، وقولَه: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ﴾ [الروم: ٣٣]. والناسُ بمعنَى واحدٍ، وذلك جائزٌ عندهم فيما لم يُقْصَدْ فيه قَصْدُ واحدٍ.

وإنما الصوابُ من القولِ عندى في قراءةِ ذلك أنهما قراءتان معروفتان - أعنى التاء والياءَ - فبأيَّتِهما قرأ القارئُ فمُصِيبٌ؛ وذلك أنه لا اختلافَ في معنى باختلافِ القراءتَين، وهما جميعًا فَصِيحتان عندَ العربِ، وذلك أن الملائكةَ إن كان مُرَادًا بها جبريل، كما رُوِى عن عبدِ اللهِ، فإن التأنيثَ في فعلِها فصيحٌ في كلامِ العرب، لِلَفْظِها إن تَقدَّمَها الفعلُ، وجائزٌ فيه التذكيرُ لمعناها، وإن كان مُرادًا بها جمعُ الملائكةِ، فجائزٌ في فعلِها التأنيثُ وهو (١) قَبلَها لِلفْظها، وذلك أن العربَ إذا قدَّمت على الكثيرِ من الجماعةِ فعْلَها أَنَّثَتْه، فقالت: قالت النساءُ. وجائزٌ التذكيرُ في فعلِها بناءً على الواحدِ إذا تقَدَّم فعله، فيقال: قال الرجالُ.

وأما الصوابُ من القولِ في تأويلِه، فأنْ يقال: إن الله جلَّ ثناؤه أخبرَ أن الملائكةَ نادَته، والظاهرُ من ذلك أنها جماعةٌ من الملائكةِ دونَ الواحدِ، وجبريلُ واحدٌ، فلن يجوزَ أن يُحْمَلَ تأويلُ القرآنِ إلا على الأظهرِ الأكثرِ من الكلامِ المُستعملِ في أَلْسُنِ العربِ دونَ الأقلِّ، ما وُجد إلى ذلك سبيلٌ، ولم تَضْطَرَّنا حاجةٌ إلى صَرْفِ ذلك إلى أنه بمعنى واحدٍ، فيُحْتاج له إلى طَلَبِ المَخْرَجِ بالخفيِّ من الكلامِ والمعانى.

وبما قُلنا في ذلك من التأويلِ قال جماعةٌ من أهل العلم؛ منهم قتادةُ والربيع ابن


(١) بعده في م: "من".