للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني أبو عُبيد الوَصَّابِيُّ (١)، قال: ثنا محمدُ بنُ حِمْيَرٍ، قال: ثنا صفوانُ بنُ عمرو، عن [جبير بن نُفَيْر] (٢) في قوله: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾. قال: رَبَا لسانه في فيه حتى ملأه، ثم أطلقه الله بعد ثلاث (٣).

وإنما اختارت القَرَأَةُ النصبَ في قوله: ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾. لأن معنى الكلام: قال: آيتُك ألا تُكَلِّمَ الناسَ فيما يُسْتَقْبَلُ ثلاثة أيام. فكانت "أن" هي التي تَصْحَبُ الاستقبال (٤) دونَ التي تَصْحَبُ الأسماء، فتَنْصِبُها، ولو كان المعنى فيه: آيتُك أنك لا تُكَلِّمُ الناس ثلاثة أيام. أي: أنك على هذه الحال ثلاثة أيامٍ - كان وجهُ الكلام الرفع؛ لأن "أن" كانت تكونُ (٥) حينئذ بمعنى الثقيلة خُفِّفت، ولكن لم يكن ذلك جائزًا؛ لِما وصفتُ من أن ذلك بالمعنى الآخرِ.

وأمَّا الرمز، فإن الأغلب من معانيه عند العرب الإيماء بالشفتين، وقد يُسْتَعْمَلُ في الإيماء بالحاجبين والعينين أحيانًا، وذلك غيرُ كثير فيهم، وقد يُقالُ للخَفِيِّ من الكلام الذي هو مثلُ الهَمْسِ بخفض الصوتِ: الرمز. ومنه قولُ جُؤَيَّةَ بن عائذٍ (٦):


(١) في ص: "الوضافي"، وفى م: "الرصافي"، وفى ت ١، س: "الوصافى". وتقدم في ص ٢٩١.
(٢) في م: "جويبر بن نصير".
(٣) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٤٦ (٣٤٨٢) معلقا عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وستأتى رواية صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن، عن أبيه في تفسير الآية (٧٤) من سورة الفرقان، وتفسير الآية (١٠) من سورة الأحقاف.
(٤) في س: "الأفعال". ويقصد بالاستقبال أفعال المضارعة إشارة إلى الدلالة الزمانية. مصطلحات النحو الكوفى ص ٧٤.
(٥) سقط من: س.
(٦) في م، ت ١: "عابد". وينظر بغية الوعاة ١/ ٤٩٠. والبيت في التبيان للطوسى، ٢/ ٢٤٥٥، والمحرر الوجيز ٢/ ٤١١.