للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْحَى (١) لها القَرارَ فَاسْتَقَرَّتِ

بمعنى: ألقى إليها ذلك أمرًا. وكما قال جلّ ثناؤُه: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] بمعنى: فألقى ذلك إليهم إيماءً (٢).

والأصلُ فيه ما وصَفتُ مِن إلقاءِ ذلك إليهم، وقد يكونُ إلقاؤه ذلك إليهم إيماءً، ويكونُ بكتابٍ، ومِن ذلك قولُه: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١]: يُلْقُون إليهم ذلك وسوسةً. وقوله: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩]: أُلْقِى إليَّ بمجيءِ جبريلَ به إليَّ من عندِ اللهِ ﷿.

وأمَّا الوحيُ، فهو الواقعُ مِن المُوحِى إلى المُوحَى إليه، ولذلك سمَّت العربُ الخَطَّ والكتابَ وحيًا؛ لأنه واقعٌ فيما كُتِب ثابتٌ فيه، كما قال كعبُ بنُ زُهيرٍ (٣):

أتى العُجم والآفاقَ منه قَصائدٌ … بَقِينَ بَقَاءَ الوَحْيِ فِي الحَجَرِ الْأَصَمّ

يعنى به الكتابَ الثابتَ في الحَجَرِ. وقد يقالُ في الكتابِ خاصَّةً إذا كتَبه الكاتبُ: "وَحَى"، بغير ألفٍ، ومنه قولُ رُؤْبَةَ (٤):

كأنه بَعْدَ رِياحٍ تَدْهَمُهُ

ومُرْثَعِنَّاتِ الدُّجُونِ (٥) تَثِمُهْ (٦)


(١) في الديوان: "وحى".
(٢) في النسخ: "أيضًا". والمثبت هو الصواب.
(٣) ديوانه ص ٦٤.
(٤) ديوانه ص ١٤٩.
(٥) مرثعنات الدجون: المطر الكثير الدائم. اللسان (ر ث ع ن، د ج ن).
(٦) الوَثْم: الضرب. اللسان (و ث م).