يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وبأني قد جئْتُكم بآيةٍ من ربِّكم، وجئْتُكم مصدِّقًا لما بينَ يَدَيَّ من التوراةِ. ولذلك نصَب ﴿مُصَدِّقًا﴾ على الحالِ مِن ﴿جِئْتُكُمْ﴾. والذي يَدُلُّ على أنه نُصِب على قولِه: ﴿وَجِئْتُكُمْ﴾ دونَ العطفِ على قولِه: ﴿وَجِيهًا﴾ قوله: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ ولو كان عطْفًا على قولِه: ﴿وَجِيهًا﴾، لكان الكلامُ: ومصدِّقًا لما بينَ يديْه مِن التَّوْرَاةِ، ولِيُحِلَّ لكم بعض الذي حُرِّم عليكم.
وإنما قيل: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾. لأن عيسى صلواتُ اللهِ عليه كان مؤمنًا بالتوراةِ مقِرًّا بها، وأنها مِن عندِ اللهِ، وكذلك الأنبياءُ، كلُّهم يُصَدِّقون بكلِّ ما كان قبلَهم من كتبِ اللهِ ورسلِه، وإن اختلَف بعضُ شرائعِ أحكامِهم؛ لمخالفةِ اللهِ بينهم في ذلك، مع أنَّ عيسى كان - فيما بلَغَنا - عاملًا بالتوراةٍ لم يخالفْ شيئًا مِن أحكامِها، إلا ما خفَّف اللهُ عن أهلِها في الإنجيلِ ممَّا كان مشدَّدًا عليهم فيها.
كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبد الكريمِ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ بنُ مَعقِلٍ، أنه سمِع وَهْبَ بنَ مُنبِّهٍ يقولُ: إن عيسى كان على شريعةِ موسى، صلَّى اللهُ عليهما وسلَّم، وكان يَسْبِتُ ويَسْتَقبِلُ بيتَ المقدسِ، فقال لبني إسرائيلَ: إني لم أدْعُكم إلى خلافِ حرفٍ مما في التوراةِ، إلا لأُحِلَّ لكم بعضَ الذي حُرِّم عليكم، وأَضَعَ عنكم مِن الآصارِ (١).
حدَّثني بِشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣٥ إلى المصنف.